السياسية

العلامة فضل الله:العدوان الأخير ضغوطاً متصاعدة على الدّولة اللبنانية واللّبنانيّين لدفعهم إلى خيارات العدو وقبول املاءاته

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الحسن (ع) ذلك الرّجل الّذي قال له: أنا من شيعتكم فقال له الإمام الحسن (ع): يا عبد الله إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعًا فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها. لا تقل لنا أنا من شيعتكم ولكن قل أنا من مواليكم ومحبّيكم ومعادي أعدائكم وأنت في خير وإلى خير .

لقد أراد الإمام (ع) من خلال وصيّته هذه إلى أن يؤكّد أن التّشيّع لأهل البيت (ع) ليس انتماء أو عاطفة ومشاعر نبديها لهم ومآدب نقيمها باسمهم بل بمقدار ما نأخذ بكلماتهم وتعاليمهم وأن ينسجم سلوكنا مع سلوكهم ومواقفنا مع مواقفهم وأهدافنا مع أهدافهم، ومتى وعينا ذلك وعملنا به سنكون زينًا لهم وصورة معبّرة عنهم ونكون بذلك أكثر وعيًا ومسؤوليةً وأكثر قدرةً على مواجهة التّحديات…

والبداية من الاعتداءات الصّهيونيّة المستمرّة على لبنان، والّتي قد لن يكون آخرها الغارات الّتي شهدناها بالأمس في الجنوب والبقاع والّتي من الواضح أنّها تأتي في إطار الضّغوط المتصاعدة على الدّولة اللّبنانيّة وعلى اللّبنانيّين لدفعهم إلى خيارات هذا العدو وقبول املاءاته ومن دون أن يكون لهم حريّة النّقاش فيها.

يأتي كل هذا من دون أن تقوم الدّول المعنيّة بضمان وقف اطلاق النّار وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأميركيّة بالدّور المطلوب منها في الضّغط على هذا الكيان لإيقاف اعتداءاته وبدلًا من ذلك نجد إمعانًا من المبعوث الأميركيّ وباسم دولته بدعوة الدّولة اللبنانيّة إلى اصدار قرار رسمي ملزم بسحب سلاح المقاومة من دون أن يقدّم أي ضمانات مقابل ذلك بالضّغط على العدو للقيام بما عليه القيام به والّذي أرفق بتهديدات وجّهت للبنان بأنّه إن لم ينفذ هذا الشّرط فلن يحصل على الإعمار والأمن وممارسة مزيدٍ من الضّغوط الاقتصاديّة عليه.

إنّنا أمام هذا الخيار الّذي وضع فيه لبنان والّذي لا ينبغي التّقليل من تداعياته وآثاره على الدّولة اللّبنانيّة وعلى اللّبنانيّين عمومًا نعيد التّأكيد على أنّنا مع أي حلول تنقذ الوطن من أيّة مخاطر قد يتعرّض لها ولكن هذا ينبغي ألّا يكون بناء على املاءات ممّن لا يزال يتعامل مع هذا البلد من موقع المهزوم الّذي يملى عليه ولا يملي بل بناء على إرادة اللّبنانيّين وتوافقهم واللّبنانيون لن يعدموا وسيلة للوصول إلى صيغة تقي البلد من أية منزلقات قد يقع فيها وتعزّز حضور الدّولة الّذي هو يبقى خيارًا جامعًا للّبنانيين في بسط سيادتها الكاملة على أراضيها فليس في هذا البلد من يريد أن يغامر به وبأبنائه ولا سيما من قدّموا التّضحيات في سبيله، ومن هنا نجدّد ما قلناه في الأسبوع الماضي من أن تكون الأولويّة هي في مطالب العدو الصّهيوني وقف اعتداءاته ورفع كاهل احتلاله، وعندها سيكون الباب مفتوحًا ومشرّعًا على كل ما يطرح إن على صعيد ما تدعو إليه الدّولة من حصريّة السّلاح بيدها أو غيره وهذا ما سمعناه ونسمعه من أركان الدّولة اللّبنانيّة.

في الوقت الّذي نجدّد دعوتنا للّبنانيّين إلى التّوحد حول هذا الموقف الّذي يأخذ في الاعتبار المخاطر الحقيقيّة الّتي يتعرّض لها البلد وحقّه في الحفاظ على أمنه والسّيادة الكاملة على أرضه لكنّه لا يفرط بحقّه بإزالة العدوان والاحتلال الجاثم عليه، وأن لا يخضعوا للتهاويل والّتي مع الأسف يتجاوب معها البعض، ويسوّق لذلك والّتي لا تستند إلى معطيات واقعيّة… فلبنان ليس في مواقع العجز والضعف الّذي يصوّر فيه ولو كان كذلك فلماذا هذا الحجم الكبير من الضّغوط الّتي تمارس عليه والّتي تدعوه إلى التّنازل عنها.

ونبقى في الدّاخل لننوّه بإقرار المجلس النّيابي للمشروع الدّاعي إلى استقلال القضاء لإبعاده عن أي ضغوط سياسيّة أو ماليّة أو تدخلّات خارجيّة بما يشكّل ضمانة لتحقيق العدالة، وعدم السّماح للفاسدين والمفسدين الّذين استشروا في هذا البلد وأوصلوه إلى ما وصل إليه من الترهّل على الصّعيد السّياسي أو الاقتصادي أو المالي أو الأمني بأن يكونوا بمنأى عن سيف العدالة الصّارم وتبقى العبرة بالتّطبيق. وننوّه أيضًا بكل جهد يعمل لاستعادة المصارف دورها لكنّنا نعيد التّأكيد على ما كنّا قلناه سابقًا أن أيّ عمل على هذا الصّعيد لا يمكن أن يتحقّق إلّا بإعادة المصارف أموال المودعين كاملة إليهم وأن يطمئنّوا أنّ أموالهم لن تضيع مجدّدًا.

ونصل إلى غزّة الّتي لا تزال تعاني من أكبر كارثة إنسانيّة في هذا العصر على حد تعبير الأمين العام للأمم المتّحدة وهي الّتي تستكمل في الضّفة الغربيّة، بعدما وصلت حرب التّجويع فيها إلى مرحلة لم تستطع معها الحكومات الغربيّة الّتي كانت تؤيّد العدوّ إلّا أن تطلق مواقف تدينه وقد تتطوّر ما لم يوقف هذه الحرب ويفتح الباب للمساعدات…

إنّنا أمام ما يجري نجدّد دعوتنا للعرب وللمسلمين على صعيد الدّول والشّعوب إلى أن يقوموا بمسؤوليتهم تجاه بلد عربي ومسلم لإخراجه من معاناته والوقوف في وجه المخطّط الّذي يعمل له لتهجيره من أرضه. إنّ من المؤسف أن نشهد تظاهرات وأصوات تنادي بالحريّة لفلسطين في العواصم الغربيّة، فيما لا يستجاب لنداءات الجائعين والمحاصرين في غزّة أو المهدّدين بوجودهم في الضّفّة الغربيّة من العالم العربي والإسلامي.

وأخيرًا إنّنا في هذا اليوم نهنّئ الجيش اللّبناني بعيده وهو الّذي يمثّل سياجًا لهذا الوطن ودعامة من دعائمه ومظهرًا من مظاهر الوحدة فيه وقوّة ومنعة له، وهو من قدّم التّضحيات الجسام من أجله ولم يبخل بها عندما توافرت الظّروف والإمكانات له والقرار السّياسي من الوقوف في مواجهة العدوّ الصّهيوني أو الإرهاب… إنّنا ندعو في هذه المناسبة لتعزيزه على كلّ الصّعد ليقوم بالدّور المطلوب في حماية حدود الوطن ومنع كلّ من تسوّل له نفسه العبث بأمنه واستقراره والمسّ بوحدته…

زر الذهاب إلى الأعلى