
مذ مات وسجّي الجثمان في كنيسة وشاهدتها كيف جلست من دون كلام عرفت كم كانت حياة المرحوم تعيسة وكم العمر رذيل لا يرحم ملكا او اميرا او سفيرا او سفيرة .
لم تعتد الكنيسة هذا الكمّ من التناقض.
ارتبكت الكنيسة.
ارتبك الحاضرون.
الان فهمت لماذا هجرَ صاحبنا الكنائس والربوع الخضراء ولماذا شكّ بالنسب ولم يهتم بالنسل ولماذا تاه يريد تحطيم كل شيء بناه الآخرون في البلاد بمن فيه أباه.
أين اباه يا ابتاه ما دامت امّه عشيقة وحبيبة كل اهل البلاد هنا.
في كنيسة صخرية بعيدة جميلة تشبه كل أشكال الزمرد والفلّ والياسمين كان المحتوى المتحرّك فيها لا يشبه الشكل الجامد ولا أشكال الزائرين والعابرين والمقدسين .
بل هناك من أصابته نوبة هستيريا عندما اقتحم عدم التجانس.
لا احد مقدس هنا حتى المقدس نفسه.
ولّى زمن المقدّسين.
هي لا تستطيع الوقوف فللعمر حكمه وتنفيذه إنما ما الذي يمنع رد التحية بسلام ولو اصرّت السيدة على الوقار .
لا لوم ولا عتب إنما هو تساؤل.
ربما لا تجيد الحزن ولا تجيد الحوار و ربما لا طاقة لها على الناس.
لم تبق الناس على حالها فقد تبدلت كثيرا وربما هي ما عادت تعرف كل هؤلاء.
من اين جاؤوا؟
من اي حرب؟
من اي سلام؟
وإن عجزت عن الايماء والاشارة والحركة فلماذا من يجلس بقربها لا يقف قليلا لمن هم اكبر منه سنّاً احتراما للعادات الاليمة في الكنيسة…
الكنيسة قريبة من البحر الا انها في المأتم كانت في الفضاء.
الميت هنا لا يشبه المشهد في اعلى الجبل .
من حق اهل الميّت الانزواء وإجراء مراسم عائلية إنما الفقيد كان اكثر الناس جماهيرية فهل تأتي الناس او لا تأتي؟
احيانا الأفضل أن تبقى بعيدا عن المشاهير لتستمتع بصورهم كما يحلو لك بدل ان يصدمك الرسام انه في الحقيقة لا يحب الألوان وان ممثل أدوار الشهامة والبطولة يحلل لنفسه رزق غيره وان ذاك المطرب العاطفي والرقيق قاسي القلب وعدواني لا يقدّر ولا يحترم حتى اللواتي احببنه وان ذاك الشاعر شعر بكل شيء الا بسوء تصرفه مع من حوله.
الذي عاد مهزوما بلا حراك ربما كان مطروداً لشغبه ولتمرده على النظام العائلي وعلى اللاهوت وعلى الرأسمال كله.
لم يستطع ان يراكم مالا فبدد كل ما معه من عملات.
المشهد غير متناسق واجزاء المأتم مهما اتحدت لتحيك ثوباً أسودا من قماش واحد لن تستطيع إخفاء حقيقة ان في الأمر أخطاء مميتة في السيناريو والإنتاج والإخراج والتمثيل والغناء.
في الكنيسة البعيدة ميّت مسجّى في نعش صامت إنما هو في الحقيقة كان مالىء الدنيا وشاغل الناس بشغبه.
رحم الله من مات وأطال الله بعمر الأحياء.
د.احمد عياش
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.