اخبار ومتفرقات

الجيش والمقاومة صِنْوان

نشأتُ في بيتٍ تتوسَّد جدرانه رائحة البِزَّة العسكريَّة، ويتردَّد في أرجائه صدى خطوات والدي، الضابط في الجيش اللبنانيِّ (علي إسماعيل الحسيني)، الذي ربَّاني على أنَّ الوطن ليس مجرَّد خطوط على الخريطة، بل هو روح تسكن الصدور، وعهد في الضمير محفور .

كان يعلِّمني أنَّ المقاومة شرفُ لبنان، بل شرفُ الأمَّة، وأنَّها الساعد الذي يشتدُّ حين تضعف الأذرع، والسند الذي يُسنِد القلاع إذا مالت، والسارية التي يثبت بها العلم اللبنانيُّ حين تجتاح البلاد العواصف.

والدي كان يقول: “الجيش والمقاومة قلبان لجسد واحد، وجناحان لصقر واحد”، فالجيش حارس النهار، والمقاومة حارس الليل، كلاهما يذود عن السيادة ويحرس الكرامة، ويكتبان على صفحات الوطن سطور الصمود والفداء.

لكنَّنا اليوم، في أخطر منعطف مرَّ على لبنان منذ قيامه، نسمع أصواتًا ترتفع هنا وهناك، تدعو إلى نزع سلاح المقاومة وتسليمه، وكأنَّهم يجهلون أو يتجاهلون أنَّ هذا السلاح هو الذي حال دون بلوغ العدوَّ قُرانا… 

أيُعقل أن يُسلَّم سلاح المقاومة في وقت يتربَّص بنا الصهاينة الدوائر، وتتحرَّك مشاريع التفتيت في المنطقة، وتتداخل مصالح القوى الكبرى على أرضنا؟! أيُعقل أنْ ننزع الدرع في أشدِّ المعارك، ونكسر السيف ونحن في قلب الميدان على شفير المهالك؟!

إنَّ الدعوة إلى ذلك الآن ليست إلَّا تفريطًا بالسيادة، وتسليمًا بمصير الوطن إلى أيدي مَنْ لا يعرفون إلَّا منطق الاعتداء والخيانة. 

والدي كان يقول: إنَّ السيادة لا تُشترى من وراء البحار، والحريَّة لا تُستجدى من مجالس السياسة، بل تُصان بدماء الجنود والمقاومين، وبعزيمة شعب يرى في وحدته ثروةً لا تُقدَّر، وفي سلاحه صمَّام أمان لا يُفرَّط به.

وهكذا رسَّخ والدي في وجداني معادلة عصماء لن تتبدَّل: “إذا انكسر الجيش انكسر الوطن، وإذا انكسرت المقاومة انطفأت روحه، وإذا فرَّقوا بينهما ضاع شرفه”. 

إنَّ لبنان، هذا الوطن الصغير بحجمه، الكبير بتضحياته، لن يبقى واقفًا في وجه العواصف إلا إذا بقيت سارية العلم مشدودة بحبال: (الجيش والمقاومة والشعب). ومن يحاول قطع هذه الحبال، إنَّما يفتح الباب لرياح الغزو والاستسلام. فالسلاح الذي حرَّر الأرض عام ٢٠٠٠ سيحميها، ومن يطالب بتسليمه في هذا الوقت موقفه كمن يقتل رِعاء غنم يقف على باب مربضها ذئبان ضاريان. 

وهكذا، يبقى عهد أبي في قلبي: أنْ نتمسَّك بما يحمينا، ونعضَّ بالنواجذ على ما صان كرامتنا، حتى يأتي اليوم الذي تزول فيه الأخطار، ويصبح السلاح تاريخ افتخار، لا غنيمة في يد الغاصبين الأشرار. وإلى أنْ يحين ذلك، سيظلُّ سلاح المقاومة أمانة في الأعناق، وعهدًا لا يُنكث… جيلاً بعد جيل.

د. السيد حسين الحسيني

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى