اخبار ومتفرقات

محطات الجيش اللبناني خلال الأزمات الداخلية

تشكَّل الجيش اللبنانيُّ منذ نشأته على قاعدة التوازن بين مكوِّنات المجتمع، الأمر الذي جعله حسَّاسًا تجاه أيِّ صراع داخليٍّ. ومع كلِّ أزمة وطنيَّة كبرى، وجد الجيش نفسه أمام معادلة دقيقة: إما الحفاظ على الحياد لتجنُّب الانقسام، أو التورُّط في المواجهات بما يهدِّد وحدته.

1.أحداث ١٩٥٨
– الظرف:
خلاف سياسيٌّ داخليٌّ بين مؤيِّدين لسياسة الرئيس (كميل شمعون) ومؤيِّدين للمدِّ القوميِّ العربيِّ بقيادة (جمال عبد الناصر).
– الوضع العسكري:
قائد الجيش (فؤاد شهاب) اعتمد نهج (الحياد الإيجابي)، فحافظ على مسافة واحدة من جميع الأطراف.
– النتيجة:
لم يحصل انهيار مؤسساتيٌّ، لكن الأحداث كشفت هشاشة البنية الداخليَّة للجيش بِحُكْمِ تركيبته المتنوِّعة.

2.اندلاع الحرب الأهلية (١٩٧٥ – ١٩٧٦)
– الظرف:
بداية الحرب الأهليَّة التي جمعت قوى لبنانيَّة متعدِّدة مع أطراف فلسطينيَّة.
– الوضع العسكري:
التباينات داخل المؤسسة العسكريَّة عكست مناخ الانقسام الوطنيِّ العامِّ.
– النتيجة:
تعرَّض الجيش لاهتزاز كبير، ما استدعى إعادة تنظيمه في ظلِّ التسوية السياسيَّة – الإقليميَّة التي رعتها (سوريا) آنذاك.

3.أحداث شباط ١٩٨٤
– الظرف:
توتُّر بين الجيش وبعض القوى في (بيروت الغربيَّة).
– الوضع العسكري:
جزء من الوحدات تأثَّر بالانقسامات السياسيَّة والطائفيَّة السائدة في البلاد.
– النتيجة:
تقلَّص انتشار الجيش في العاصمة، وانكفأ إلى مناطق محدَّدة بانتظار إعادة ترتيب أوضاعه.

4.أواخر الثمانينيات (١٩٨٩ – ١٩٩٠)
– الظرف:
ازدواجيَّة في السلطة بين حكومة انتقاليَّة برئاسة العماد (ميشال عون) وحكومة أخرى برئاسة (سليم الحص).
– الوضع العسكري:
بعض الوحدات انضوت تحت هذه الجهة أو تلك، بما يعكس الانقسام السياسيَّ القائم.
– النتيجة:
مع دخول التسوية السياسيَّة حيِّز التنفيذ (اتفاق الطائف) وبدء المرحلة الجديدة، أُعيد توحيد الجيش تدريجيًّا تحت مرجعيَّة الدولة.

5.ما بعد ٢٠٠٥
– الظرف:
انسحاب الجيش السوريِّ من (لبنان) وبروز انقسام سياسيٍّ حادٍّ بين فريقَي ٨ و١٤ آذار.
– الوضع العسكري:
الجيش اعتمد سياسة الحياد قدر الإمكان، وحاول النأي بنفسه عن الاستقطاب السياسيِّ.
– النتيجة:
رغم التوتُّرات، بقي متماسكًا نسبيًّا، وسجَّل حضورًا وطنيًّا بارزًا في معارك (نهر البارد – ٢٠٠٧)؛ حيث واجه خطرًا إرهابيًّا خارج الاصطفافات الداخليَّة.

الخلاصة
يُظهر تاريخ الجيش اللبنانيِّ أنَّ قوَّته وتماسكه يرتبطان بقدرته على الحفاظ على مسافة واحدة من جميع المكوِّنات الداخليَّة. فعندما يُزَجُّ في صراع داخليٍّ، يصبح عرضة للتأثُّر بالانقسامات الوطنيَّة. أمَّا حين يحافظ على الحياد ويلعب دور الضامن والوسيط، فإنَّه يثبت كركيزة أساسيَّة لوحدة لبنان واستقراره.

د. السيد حسين الحسيني

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى