
إلى الذين هاجموا مقالي بالأمس واهجموني لانني طالبت بوقف الهجوم على رئيس الجمهورية، أتمنى أن يكونوا قد أدركوا اليوم، كما نشرت جريدة “الديار”، أن لقاءً قد تم بالفعل بين الضاحية وبعبدا، من خلال اجتماع جمع بين “المستشار الرئاسي” الأستاذ محمد عبيد ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد.
ثانيًا، على كل شيعي يعتبر نفسه سياسيًا أو إعلاميًا أو حتى مسؤولًا في أي موقع كان، أن يتذكر قبل أن يهاجم أي ماروني، أن أعدادًا غفيرة من الشيعة يعيشون جنبًا إلى جنب مع إخوانهم المسيحيين، وخصوصًا الموارنة. وعليه أيضًا أن يفكر في آلاف الشيعة المنتشرين في أصقاع العالم، والذين يشكلون العصب الاقتصادي والاجتماعي للطائفة، بالإضافة إلى ألوف الطلاب الذين ينهلون العلم في مختلف جامعات العالم.
إن الموارنة، في خضم الانقسام السياسي الحاد والوصاية السورية التي امتدت من عام 1990 حتى 2005، لم يتوانوا يومًا عن الوقوف إلى جانب الشيعة ودعمهم في كافة المحافل الدولية. كان البعض يتساءل: “لماذا تدافعون عن الشيعة وتحاربون السوريين، مع أن الشيعة هم امتداد للنظام السوري في لبنان؟”، فكان الجواب يأتيهم بأن الشيعة هم أنفسنا وذواتنا وأبناؤنا وظلنا الذي لا يفارقنا. اسألوا دولة الرئيس نبيه بري عن مدى حرص الطائفة المارونية، منذ بدايته وما زالت، على هذا التقارب معه، وعن عدد الوفود الكنسية والفاتيكانية التي زارته وتضامنت معه.
هل تعلمون من الذي روّج لفكرة أن سوريا كانت تتقاضى عن كل حذاء عسكري يصل إلى المقاومة عشرة أضعاف ثمنه كي تسمح بمروره؟ اسألوا إن كنتم لا تعلمون. هذه النظرية سوّقها مسيحيون بين المسيحيين بهدف الفصل بين الموقف المسيحي تجاه سوريا والموقف تجاه الشيعة.
هل تعلمون أن الأباتي أنطوان ضو وقّع عام 2003 وثيقة في الأردن غايتها حماية المقاومة، وبالتالي حماية الشيعة؟ وهل تعلمون أن الأباتي ضو قدّم أكثر من أربعين محاضرة استعرض فيها القواسم المشتركة بين المسيحية والشيعة؛ من الصورة إلى الأيقونة، والتقارب بين التراتيل والأناشيد، والتصاميم المعمارية المتشابهة بين الكنيسة والحسينية، وصولًا إلى السرد التاريخي المشترك.
هل تعلمون أنه في ذروة القطيعة بين بكركي وإيران عام 2020، وامتناع البطريركية عن التواصل مع السفارة الإيرانية في لبنان، وحين توفي آية الله محمد علي تسخيري في مثل هذه الأيام تحديدًا (18 آب 2020)، أرادت السفارة الإيرانية إقامة حفل تأبين للراحل. وبينما وافقت جميع الطوائف اللبنانية على المشاركة، بقي موقف الكنيسة المارونية معلقًا. تواصلت السفارة مع كل قوى محور المقاومة وشخصياته المسيحية، الرسمية والسياسية والإعلامية، للتوسط لدى غبطة البطريرك وضمان مشاركة بكركي ليكتمل المشهد الوطني الجامع، لكن لم يجرؤ أحد على مفاتحته بالموضوع لمعرفتهم بموقفه المسبق. حينها، طلب مني المستشار الثقافي الدكتور عباس خامه يار، لما سمعه عني من شخصيات مسيحية، أن أتحدث إلى بكركي. وبالفعل، اتصلتُ، ووافق غبطة البطريرك على المشاركة باسمه في حفل التأبين، وكلّف لهذه الغاية المونسنيور عبدو أبو كسم.
هل تعلمون أن الدعوة التي تحدث عنها البطريرك الراعي لزيارة إيران منذ ست سنوات، هي ذاتها الدعوة التي قدمها المستشار الثقافي الدكتور عباس خامه يار؟ وعندما حملني المستشار بعدها بعام رسالة شكر وتجديد للدعوة، كنت أنا من طلب ضم هذه الرسالة إلى ملف الزيارة. وهل تعلمون عندما نشرت فضائية “العالم” مقالًا مسيئًا بحق البطريرك الراعي، وكاد الأمر أن يتفاقم ليصل إلى الحكومة ووزارة الخارجية، أن الذي عمل على حل هذا الخلاف بصمت هو أنا، العبد الفقير؟
بعد انتهاء مهمة المبعوث الثقافي الدكتور عباس خامه يار، هل رآني أحد منكم في السفارة الإيرانية، أو هل وُجّهت لي دعوة لحضور ولو محاضرة عادية؟
هل تعلمون أنه عندما أهدى الرئيس الإيراني الأسبق الدكتور محمود أحمدي نجاد الأباتي أنطوان ضو حجرًا من العقيق نُقش عليه “يا زهراء”، قال الأباتي: “هذا الخاتم سأحمله وأتبارك به، ثم أتركه أمانة في عهدة ابني الروحي ناجي أمهز، وهو شيعي من تلاميذ الإمام السيد موسى الصدر في فكر التعايش”. وبعد سنوات، عندما أدرك مثلث الرحمات الأباتي أنطوان ضو أن عليه الانتقال الى الراحة، سلمني الأمانة داخل الدير، وكان أمامه الإنجيل وخلفه الصليب، وهو يعاهدني على أن أستمر في خطاب التعايش.
هل تعلمون أنه عندما اشتعلت حرب تموز 2024 ونزح أكثر من 300 ألف شيعي إلى مناطق جبيل وكسروان والمتن، كنتُ أحد المساهمين الأساسيين في ترسيخ الاستقرار الذي ساد المنطقة آنذاك؟ وكل كلمة أقولها يمكنكم التأكد منها، إن لم يكن من الأحزاب المسيحية، فمن خلال سؤال قيادات الطائفة الشيعية.
وهل تعلمون أن هذا الاستقرار في الانتخابات النيابية والبلدية في مناطق جبيل وكسروان، كنتُ أحد ركائزه ليبقى التنافس ضمن أطر العيش الواحد والديمقراطية، مما ساهم في تخفيف من التشنجات السياسية بين مكونات العيش الواحد.
الإنسان بقيمته لا بمنصبه، وبحكمته لا بضجيجه. الإنسان لا يؤكل ولا يُشرب، بل هو فكر وحوار. الإنسان العاقل هو من يمتلك لغة الحوار.
أنا لا أقبل، ولو للحظة واحدة، أن أكون شريكًا في تعكير هذه الأجواء، أو أن يشعر أي شيعي يعيش بين المسيحيين بأنه غير مرحب به، أو أي مسيحي يعيش بين الشيعة بأنه منبوذ. ولن أقبل أن تسقط نقطة دم واحدة من أي لبناني دون أن أقف في وجه الفتنة.
أستودعكم الله، فإني لا أقبل أن تدفع الطائفة الشيعية، التي يتجاوز تعدادها المليون وثلاثمائة ألف نسمة، ثمن أخطاء عشرين أو ثلاثين شخصًا يسعون وراء “سكوب” إعلامي أو تصفيق من هنا وهناك.
وبالختام ان كنتم تحبون المقاومة وطائفتكم، يوجد قيادات رسمية دعوها هي التي تتحدث وتدير الامور كما تراه مناسبا.
أنا أحبكم جميعًا، دون استثناء.
والسلام.
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.