السياسيةجبيلجبيل المدينةجبيليات وكسروانيات

كتب ناجي علي امهز، في جُبيل، حيثُ يبدأ الكلام… كلمات الى الأباتي سيمون عبود

 

كتب ناجي علي امهز، في جُبيل، حيثُ يبدأ الكلام… كلمات الى الأباتي سيمون عبود

 

ليست كلُّ الأيامِ سواءً في تاريخِ الأوطان. ثمّةَ أيامٌ عابرة، وأخرى تبقى لتُضيءَ ما قبلها وما بعدها. ويومُ ترقيةِ الأب سيمون عبود إلى رتبةِ الأباتي، ببركةِ البطريرك الراعي، هو من تلك الأيام التي لا تُقاسُ بالزمن، بل بالكثافة والجَوْهَر.

 

فكأنَّ جبيـلَ، التي وهبتْ للعالمِ الأبجدية، شاءت اليوم أن تهبَ لبنانَ أبجديةً أخرى فيها تعايش الحروف والناس كما هي جبيل؛ أبجديةَ الروحِ والوداعةِ والخدمة، متجسّدةً في راهب هو صورةٌ حقيقية ونقية وجلية عن لبنان الذي نحلم به. راهب استمدَّ من عمقِ بحرها صفاءَ السريرة، ومن صلابةِ جبلها ثباتَ الإيمان، ومن تاريخِها المفتوحِ على الآتين سعةَ القلب، ومن اجراس كنائسها واصوات المآذِنُ رحابة السماء.

 

لم يكن الأب سيمون يوماً مجرّد كاهنٍ يؤدي طقساً، بل كان هو الطقسَ نفسَه، عندما يتجول بين الناس يسبق الجميع بالتحية والسلام والمباركة التي تشفي العليل وتطيب الخاطر، وترضي. هو الإنجيلُ معاشًا، والكلمةُ تُترجَمُ فعلَ محبة. هو ذاك الذي لا يَعظُ بالمسيح، بل يَعيشُهُ فيُرى فيه. في صمته حكمةٌ، وفي عمله صلاةٌ، وفي ابتسامته رجاءٌ يغلبُ قتامةَ الأيام. هو صورةٌ عن تلك المسيحية المشرقية الأصيلة، التي لا تعرف الانعزال بل الانغراس في الأرض والناس، والتي لا تبني أسواراً بل تمدُّ جسوراً.

 

واليوم، في لبنانَ المكلومِ الباحثِ عن هويته، تأتي هذه الرتبةُ ليس كتكريمٍ لشخصٍ فحسب، بل كإعلانِ مبدأ. إعلانٌ بأنَّ عظمةَ لبنانَ الحقيقية ليست في ضجيجِ التفرقة ولا في تعقيداتِ طوائفه، بل في قاماتِ رجالهِ الروحيين الذين يحفظون وديعةَ الرسالة. ففي زمنِ تموت فيه الطيبة ويصبح نقي القلب والسريرة يتيما، يُقدَّمُ لنا رجلُ البذلِ والتجرد. وفي زمنِ الصراخِ والكره، يرتفعُ صوتُ المحبةِ والوحدة التي تميزت فيها مدينة جبيل، حتى اصبحت تحسد عليها.

 

يومَ يُكرَّمُ فيهِ رجلٌ كالأباتي سيمون، يتذكَّرُ لبنانُ مَن هو، ولماذا كان. يتذكرُ أنه لم يُخلق ليكون ساحةً، بل منارة. وعندما تتلألأ منارةٌ كنورِ الأباتي سيمون عبود على شاطئ جبيل، يطمئنُّ قلبُ الوطنِ أن الليلَ، مهما طال، لن يغلبَ الفجر.

 

مباركٌ هذا النورُ للبنان، ومباركٌ هذا الحبُّ الذي فاضَ منه ليعمَّنا جميعاً، مسيحيين ومسلمين، فيغدو شهادةً حيةً على رسالته الجامعة.

 

ومباركٌ لنا، نحن شهودُ هذا الزمن، أن نلقي التحيةَ على الأباتي الجليل الذي يغني بحضوره نسيجنا الجبيلي، قبل أن يكون مباركاً للكنيسة أو لجبيل.

 

 

fb944c5a 6f2a 42f2 a9f5 eab143bbaad7 (1)
fb944c5a 6f2a 42f2 a9f5 eab143bbaad7 (1)
زر الذهاب إلى الأعلى