
كنتُ أتحدث مع أحد أقرباء والدتي في قرية بقاعية اسمها نبحا، فلاح بسيط، يشتغل في أرض صغيرة يزرع فيها بعض أشجار التين والرمان.
قلت له:
– أبو علي كيفك؟ طمّنّي عنك.
فأجاب:
– الحمدلله، مين معي؟
قلت:
– معك ناجي أمّهز يا أبو علي.
سألني:
– مين ناجي؟ ابن مين؟
قلت:
– اسم بي علي أمّهز، نحنا من جبيل بس والدتي من نبحا. حضرتك ما بتتذكرني يا أبو علي، كنت صغير ألعب حد الكنيسة وتعيط علينا حتى ما نقرب من الكنيسة واوقات كنت تخلينا ننضف حدها اذا في اعشاب او ورق شجر، أنا وخالي ربيع ، وعلي أحمد. أمي بنت محمد عيسى.
فصرخ بحماس:
– إيه يا عمّي عرفتك، عرفتك! إنتَ يلي ظهر عليك جني إنت وعلي أحمد وربيع عند الصفا ولعبته معه.
ضحكت وقلت:
– إيه هيدا أنا. طمّنّي عنك.
قال:
– والله بخير، بس هلق الشمس عم تسلقني سلق. الضيعة ما فيها ماي وعم جرّب إسقي الحواكير. بخلّص وبعمل كباية شاي، وبخلي ابن ابني يطلبك، لأن قبار الصحاب هالتليفون ما خرط مشطي.
وبعد ساعة اتصل أبو علي. وبعد الأسئلة عن الأهل والربع والعشيرة، وبعد ما لفّينا على نص الكرة الأرضية بأسماء وذكريات، عرف إنّي بكتب من فترة لفترة، فصرنا نحكي سياسة.
ولك أن تتخيّل، يا حضرة رئيس امريكا، كيف يخرج الكلام السياسي من فم أبو علي: بسيط مثل سهل البقاع، واسع مثل كرومه، قوي مثل عزيمة أبنائه، وكريم مثل أنفاس أهله.
وصلنا للحديث عن قضية نزع سلاح حزب الله. فسألته:
– شو يا أبو علي، إنت مع نزع سلاح حزب الله؟
هزّ رأسه وقال بلهجة قاطعة:
– ليك قبار الصحاب، كيف بدي كون مع نزع السلاح؟ يا عمي بلا هالسلاح والله والواوية بتاكلنا. إذا بدي خبرك كم واحد بالضيعة عايش من ورا الحزب… يعني هودي بلا الحزب بموتوا.
ثم بدأ يروي:
– ليش فلانة مين حكمها وعالجها لولا ابنها بالحزب؟ مين كان معه يحكمها؟ تلت أرباع الأدوية يلي بتتوزع، الحزب بيأمّنها. ليش بالشتوية لولا الحزب، منحرق تيابنا وأبوابنا، ما حدا منا معه يشتري تنكة مازوت.
قلت:
– طيب يا أبو علي، إذا صار في دولة، الدولة بتأمّن كل شي.
ابتسم بسخرية وقال:
– يا عمي لبنان من قبل ما يخلق أبي كان هيك. وهلق إذا شلنا سلاح الحزب بتصير الدولة تهتم فينا؟ ما صرنا شايلين عشرين ألف سلاح وكرمالنا لورى أكتر.
ثم أضاف:
– يا عمي إذا بدك توظّف أولاد الضيعة، كل وظائف الدولة ما بتساعهم. عندنا ابن فلان، متعلم وبيه بالحزب، تعلم من مال الحزب وصار معه شهادات عالية. برم الدني كلها ليشتغل بالحد الأدنى، ما لقوا له وظيفة.
“يا عمي، لولا المعاشات والأعراس يلي بيعملها الحزب، كانت الضيعة كلها عزابة. مين معه يفتح بيت؟ ابو فلان كان حاطط قرشين تعويض باللبناني بالبنك، راحوا. لو ما الحزب مأمّن مساعدات، كان صار تحت التراب، صار عمره 70 سنة وما قادر يشتغل. خلّينا ساكتين، بجوه الله عليك.”
قلت له:
– بس يا عم، أمريكا رح تعمل لبنان جنة.
ضحك وقال:
– يا عمي الدولة اللبنانية ما عملت لبنان جنة، أمريكا بدها تعمله؟ وشو خص أمريكا بالبقاع لحتى تصرف وتزرع وتعلّم، وما عنا لا بنزين ولا غاز ولا مننتخب بنييوييويورك هيدي قبارة الصحاب العاصمة؟
ثم رفع صوته وكأنه يعلن موقفاً:
– يا عمي، روح شوف عوائل الشهداء والجرحى، مين بيصرف عليهم؟ مين بعلّم أولادهم؟ مين بيأمّن لهم وظائف؟ غير الحزب؟ والله أحسن تعليم وتربية. هودي اذا الحزب بطل يدفع معاشات والله لتخرب الدني ليش مين رح يوظفهم او يحكمهم.
–لك يا زلمي شو عم تحكي، لك هالحكي، كيف بدهم يشيلوا السلاح؟ والله أول شهر لتصير كل أهل بعلبك ببيروت. منيح يلي الناس رجعت عالضيَع.
ثم تابع:
– يا عمي، الحزب بعلم الشباب يصلّوا بالجامع، وبيبعدهم عن الحرام. روح شوف المشاكل والسلبطة. أي شاب إذا كان بلا شغل، من وين بدو يجيب حق بنطلون يلبسه أو سندويشة ياكلها؟
“يا عمي، الحزب أقل شي مْعيّش أربعين بالمية من الشيعة. وهودي هني يلي بيشتروا من غيرهم، ليش عنا بالضيعة كيف عايشين وهيك بصير في اقتصاد. أقل شي الحزب بيبعت يسألنا. ولا مرة سمعت إنو الدولة بعتت ورا حدا تسأله: شو بدك؟”
تنهد، ثم سمعت شرقة من كاسة الشاي:
– يا عمي، إنتو بتفكروا السلاح قصة رصاص وبواريد؟ لأ. السلاح مش بس حديد. السلاح خبز، السلاح ستر، السلاح كرامة. أنا فلاح، أرضي بتعطيني لعيش واشتري خبز. بس إذا ما في حدا يحرسني من الذئاب، شو بينفع الخبز إذا أخدوه مني بالقوة؟
يا عمي انا بدي صير ضد هالشهداء واولادهم، يا عمي ما هيدا الشهيد ابن خيي، شو بقول، والله بس امرق حد صورته بحس حالي اعظم من نابليون، لان هيدا استشهد وهو عم يدافع مش رح قلك عن لبنان اقل شي عن هالضيع، وليش هالضيع مش من لبنان.
يا عمي اقل شي ينطرونا ننسى السيد حسن وبعدها يحكوا بالسلاح، ليش نحنا منعرف غير السيد حسن، بس تجي لعندي على البيت بتشوف صورته قد البيت.
سكت لحظة، ثم أضاف:
– بتعرف ستّك سميرة؟ كانت أرملة، وكانت تطعمي نص الضيعة إذا مرق عليها ضيف. وأنا ما بعرف بالسياسة قدكن، بس بعرف شغلة: يلي إلو ظهر ما بينضرب على بطنه. والناس يلي بدها نزع السلاح، عندها ظهر. عندها مصاري وسفر. أما نحنا يا عمي، ظهرنا هو هالبندقية.
قلت له:
– طيب يا عم، بيقولوا السلاح صار عبء على الدولة.
عيط وقال:
– الدولة؟ وينها الدولة؟ يا عمي الدولة متل شجرة توت، من بعيد خضرا، ومن قريب ورق يابس. كل عمرها بتعطي لناس وتنسى ناس. إذا الدولة بدها سلاح الحزب ينشال، خليها بالأول تنزل تسألني: كيف عايش؟ تسألني عن مي الضيعة، يا عمي الحزب وزع على كتير ناس طاقة شمسية، يا عمي لتوصل للمستشفى وتلاقي محل بتكون صرت عند ربنا. غير هيك انا وغيري مامنشوف إلا الحزب.
يا عمي في كتير ناس مع امريكا وفي كتير ناس مع الحزب ومع ايران، لا بدنا يلي مع امريكا يصير مع ايران ونحنا يلي مع ايران ما بدنا نصير مع امريكا، ومتل ما امريكا مش قادرة ترضي كل الدني، كمان ايران مش قادرة ترضي كل الدني، خلينا متل ما نحنا، لان والله الناس ما معها تكمل لاخر الشهر.
– بيقولوا حزب الله خطر على لبنان. يا عمي. الخطر الحقيقي مش البارودة. الخطر الحقيقي هو الجوع. والجوع ما بيستر، بيعرّي، والدولة يلي ما معها تستر شعبها ما تحكي وتستر حالها، واذا معهم مصاري وبسافروا اذا علقت الحرب، نحنا لا معنا مصاري ولا قادرين نسافر
– إذا بدك تكتب، قول للي قاعد بأمريكا أو بأوروبا: نحنا ما بدنا شي. بدنا نعيش بكرامة. هيدي البندقية يمكن بتخوّفهم، بس هي يلي مخلّيتني ما خاف لا من اسرائيلي ولا من هودي التكفيريين ولا حتى تتلج الدني وما لاقي حق تنكلة مازوت.
اوعى يا ابن امهز تصير ضد الحزب انت لسانك بتسعطعش فراشة. ويلي بيطلع من تيابه بيعرى، واذا جن ربعك جن معهم.
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.