
يبدو ان الجميع لا يتعلمون من أخطائهم حتى لو ادعوا ايمانهم بالنقد الذاتي ،ربما يجرون نقداً ذاتياً إنما داخلياً بين جدران غرف مغلقة وفي غياب الناقد الايجابي الحقيقي .
حتى لو قاموا بنقد ذاتي فإنهم غير مستعدين لأي تعديل في النص لأن النص ليس فقط ثوابتاً إنما مقدّساً ممنوع لمسه فالاسهل لهم إعادة تفسير الواقع والاحداث على ان يعدلوا النص فإن اعترفوا بخطأٍ في الميدان فلخروجهم عن تحذير ما في النص لم ينتبهوا له وليس لأن في النصّ نقص ادّى للانحراف.
النص لا يخطىء بل في شرح الأحداث خطأ!
تطويع الواقع دائماً لمصلحة النص يمنع عنّا الانتصار الأخير.
جماعتنا من اهل السنة والجماعة ومن أهل الشيعة والجماعة ومن أهل العروبيين والجماعة ومن أهل اليسار والجماعة لم يفعلوا غير تكرار الاخطاء نفسها ليصلوا جميعا إلى النتيجة ذاتها:
الخيبة
الانكسار
الهزيمة.
ظنّ كل طرف منهم انّه الأحق في تحليله وصمَّ أذنيه وهمّش كل رأي آخر مختلف مصنّفاً إياه ضدّه.
معادلة كلّ من ليس في صفّنا و لا يفكّر مثلنا هو ضدّنا حتماً انهكت الجميع.
صحيح فإنّ عقل الأمة الجمعي لأهل السنة والجماعة قابل وبقوة على هضم أقوى الانكسارات والهزائم لتوفر اسباب كثيرة لصالح ديمومة عقل الأمةما يجعله غير قابل للهزيمة النهائية فكلما هُزم عاد فانتصر عكس العقل الجمعي للشيعة فإن الانكسار يجبره على التقوقع والى الانغلاق والى لوم الذات ومعاقبتها بقوة وما مشاهد اللطم الجماعي الا واحدة من اساليب التعبير ولذلك اسباب ومن اهمّها انه يمثل اكبر الاقليات الاسلامية التي لم تمسك بالسلطة لزمن طويل جداً ما جعل العقل الجمعي ناجح في المعارضة اكثر ما هو مميّز في الحكم.
العقل الجمعي الذي لا يهضم الهزيمة ولا يعترف بها عقل لم.يكتمل بعد.
الهزيمة ضرورة للوصول إلى الانتصار.
هزيمة عقل اليسار الجمعي مؤلمة جداً للانصار الا انها تبقى تجربة مشرّفة تستحق إعادة التكوين بشرط تعديل النص بقوة.
ازمة العقل انّه لا يحبّ النقد إذ أنّه يعتبره توبيخا وإهانة واستخفافا لا محاولة اخرى للتفكير والرؤية.
الحاشية والازلام والمستشارين يتقنون فنّ إخبار القائد او الزعيم او السيد او الرئيس او المدير ما يحبّ سماعه كي لا يغضبونه وكي لا يتهمهم بالتقصير ما يجعل العقل الجمعي عقل المداحين المقربين لا العقل الجمعي الحقيقي ومن هنا تأتي عبارة:
الرئيس جمال عبدالناصر والرئيس حافظ الأسد والرئيس صدام حسين والرئيس هواري بومين والرئيس اردوغان والمرجع الفلاني والشيخ الفلاني والبطرك والكاردينال فلان كان رائعاً إنما مُن حوله كانوا من ال “زعران”لا يخبرون القائد بما يلزم بل بما يحبّ.
يُحكى على ذمّة الراوي ان احد القادة كان يوقع بحبر ثلاثة الوان لمساعديه :
الأزرق يعني لك الخيار فإن كان يستحق فلان الخدمة سهّل امره.
الاسود يعني اخدمه دون أي مراجعة.
الاحمر يعني عرقل الخدمة بلطف وادارة .
النقد الذاتي ضرورة يجب أن يتوفر في كل ظرف ومكان فإن لم يكن هناك من معارض فيجب تشجيع البعض ان يكونوا معارضين ايجابيين كي لا يصاب العقل بالتصلّب ما يحوله لعقل يكرر نفسه ضمن دائرة يصعب الخروج منها.
من أخطر الأخطاء اعتبار رأي الأكثرية من الناس هو الأصح للحكم فالجماهير تكذب احياناً اكثر من المستشارين الفاشلين.
أخطر العقول تلك التي برمجت نفسها على ما تظنّه حقيقة مطلقة واخطر ما فيها انّها لا تحتمل الفشل لأنّها تعتبر الفشل هزيمة وتعتبر الهزيمة عاراً والعار ممر للانتحار ارتكاب الجريمة.
ينتصر عقل العدو الأصيل لأنه يخوض أصغر معركة ضدّنا كحرب وجودية بينما يعتبر جماعاتنا كل حرب ضده ضرورة تكتيكية.
النقد الذاتي ممرّ ضروري للتطوّر والتقدّم وللحفاظ على مرونة العقل الجمعي كي لا يصاب بداء العظمة الوهمية انه مسدد الخطى الهيا او مسدد الخطى شعبيا.
لا تثق بالجماهير لأن الجماهير تفضل الاقوى وليس الأحق.
العقل الجمعي إن أخطأ يأخذ جماهيره الى التهلكة بينما النقد الذاتي يعالجه كي لا يمرض وكي لا يسقط.
اقول كلامي هذا واستغفر الله لي لكم.
والله اعلم.
د.احمد عياش
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.