اخبار ومتفرقات

الرأسمالية وتزييف العراقة: حين تُختزل الشعوب في خانة “لاجئين”

الرأسمالية التي كشّرت عن أنيابها بأبشع صورها لم تكتفِ بنهب الثروات، بل أعادت تقسيم المجتمعات وفق مصالحها الضيقة. اجتاحت أوطانًا عريقة الجذور، وجرّدت الشعوب من هويتها، حتى صارت تنظر إلى تاريخها كعبء لا كرصيد. وهكذا، غدا الاغتراب نوعًا من الولاء الجديد: من خضع وانسجم مع سياسات الدول المستضيفة مُنِح لقب “Expat” وحظي بالاحترام، أما من خسر بيته وأمنه، وركب البحر أو قطع الحدود طلبًا للملاذ، فلا ينال سوى صفة “مهاجر” أو “نازح”، ليُعامل من خلالها كعبء إضافي على العالم.

لكن هل تاريخ الشعوب يبدأ من خيم النزوح وصور التشرد؟

دمشق التي صُنّفت أقدم مدينة مأهولة في العالم، لم تولد عام 2011. وجبيل، التي تحمل بين حجارتها ذاكرة الأبجدية والفينيقيين، لم تختصر بتاريخ الهجرة الحديثة. هذه الأرض أنجبت حضارات شكلت أساس الإنسانية، لكننا بدل البناء على هذه الأمجاد، جمّدناها في متاحف الذاكرة، وتركناها تتعفن تحت ركام الاستغلال والتراكمات.

وها نحن اليوم لا نرى سوى صور اللاجئين وقصصهم؛ لا لنجد حلولًا عادلة لهم، بل لنحوّل مأساتهم إلى تجارة سياسية ومكاسب شخصية رخيصة.

هذا لا يلغي ضرورة البحث عن حلول جذرية لأزمة اللاجئين، لكن الحل لا يتوقف هنا. إن أزماتنا مترابطة: أزمة بناء الدولة في لبنان، الذي لا يزال يراوح مكانه بين الفساد والتهديدات الإسرائيلية المستمرة لسيادته وأمنه؛ المأساة السورية التي شرّدت الملايين ودمّرت وطنًا كاملًا؛ المجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال في غزة، والتي تحرق الضمير الإنساني وتكشف صمت العالم.

إن منطقتنا ليست جزرًا متباعدة، بل جسد واحد. ما يجري في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق ينعكس على بعضه بعضًا، والعدو يعرف جيدًا كيف يوظّف انقسامنا. لا سبيل للخلاص إلا بالتكاتف، وبنهضة علمية وفكرية يقودها الخبراء والعلماء، بعيدًا عن المنظّرين وأصحاب الفتن، نهضة تعيد صياغة مشروع وطني جامع على أسس علمية واقتصادية حقيقية.

وحينها فقط نستعيد القدرة على أن نكون صانعي حضارة جديدة، لا أدوات في مخططات الآخرين.

{ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }.

خلود وتار قاسم

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى