
اليوم يصادف اليوم العالمي للسلام…
لكن ما هو السلام فعلًا؟
هل هو سلعة معروضة في الأسواق تُستهلك عند الحاجة ثم تُرمى؟
أم هو فكرة تبحث عن أسواق تحتضنها، لتُخمّر وتُجترّ وتُسوّق كسلعة رنانة؟
هل هو مجرد شعار تتباهى به المنظمات لتلمع صورتها وتوجّه الرأي العام نحو قرارات قد لا تخدم المصلحة الحقيقية للشعوب؟
وما الهدف من السلام أصلًا؟
هل هو راحة المجتمعات وأمنها، ثم انطلاقها نحو التطوّر والسيادة والاستفادة من خيراتها وموقعها ووزنها؟
هل هو فعلًا ما تحتاجه الشعوب؟ لكن أي شعوب؟
الشعوب التي تعتبر نفسها “مختارة”؟ أم تلك التي أنهكتها المآسي؟
الشعوب المسيطرة؟ أم المستضعفة الخاضعة؟
أيّ سلام هذا الذي نتحدث عنه؟
هل هو السلام الذي يفرضه القوي على شعوب أنهكها النضال والتعب؟
أم هو ثمرة كفاح الشعوب التي تفرض شروطها بعد أن تبلغ الحرية والسيادة؟
أم أن كل ذلك أوهام مغلّفة بأوهام؟
وماذا عن المستعمر الذي يزيّن الشعارات ويخدع المجتمعات بأنها حققت السلام، فيما هو في الواقع يصادر أرضها وتاريخها وثرواتها وينسبها لنفسه؟
أيها الأصدقاء، ما هو السلام برأيكم؟
وأين نحن من السلام في بلادنا؟
أسئلة تتزاحم في ذهني ولا أجد لها أجوبة، خصوصًا ونحن بلد صغير مثقل بالديون، مؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية كلها في حالة يرثى لها، ولا بصيص نور يلوح في الأفق. بلد عالق في مصيدة الجغرافيا، بلا مقوّمات قوة يستند إليها، فتتناوب القوى الإقليمية والدولية على استغلاله لتنفيذ مشاريعها التوسعية والانتقامية.
نعم، نحن بلد صغير مرّت عليه كل مآسي التاريخ، لكننا في كل مرة ننهض من تحت الركام، نستمد من الألم قوة خارقة.
لهذا أقول: لِنُضيّق البيكار قليلًا…
لنبدأ بالسلام مع أنفسنا أولًا، فلنتصالح مع مشاكلنا الداخلية، ثم مع جارنا في البناية، في الحي، في المنطقة، في أرض الوطن. فلنتصالح مع إخوتنا الذين نتشارك معهم اللغة والتاريخ والتراث والمعاناة نفسها.
فهذا هو السلام الحقيقي: أن نؤسس له من الداخل، بطريقة منهجية ومدروسة، قبل أن نلهث وراء اتفاقيات تُفرض من الخارج. عندها فقط يصبح سلامنا قويًّا متينًا، قادرًا على فرض شروطه، فلا نُستَضعف ولا تُمحى هويتنا ولغتنا وتاريخنا ووجودنا.
السلام يبدأ من الداخل.
وكما قال نزار قباني: “الأعداء لم يأتوا من حدودنا، بل تسللوا كالنمل من عيوبنا.”
خلود وتار قاسم
٢١/٩/٢٠٢٥
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.