اخبار ومتفرقات

صحيفة امريكية تسال ناجي علي امهز: كيف تقيّمون تأثير السياسات الإيرانية على الداخل اللبناني؟

هذا السؤال من 19 سؤال.

بدايةً، قبل أن أجيب على هذا السؤال، لي رجاء أن لا يُفهم كلامي خطأ لأنني شيعي، لذلك جوابي هو انطلاقًا من قراءة سياسية واجتماعية ودينية عميقة. إن تحالف ونظرة شيعة لبنان الى إيران ليس إلا كنظرة الموارنة إلى فرنسا التي لُقبت بـ “الأم الحنون”. فالموارنة الذين عاشوا هواجس التمدد الإسلامي كانوا يجدون في فرنسا الضامن والحامي والداعم لهم في عالم إسلامي لا يقبل الآخر. وهذا الأمر نفسه حصل مع الشيعة اللبنانيين الذين يعانون منذ قرون طويلة من الاضطهاد والحرمان والنبذ والتنكيل بهم، بل حصلت ابادات بحقهم بسبب الكثير من الفتاوى الإسلامية المشهورة التي كفرتهم وطالبت بإبادتهم، فشعر الشيعة أن أمهم الحنون هي إيران.

 

لكن الفرق بين الشيعي والماروني أن الماروني يملك من الخبرة السياسية والقدرات الإعلامية على تطويع الفكرة بما يخدم مصالحه، وهذا ما حصل عندما تقارب مع العراق من أجل الحصول على دعم، وكان قبلها حصل على دعم من إسرائيل، عندما أغلقت بوجه الماروني كافة منافذ الدعم العربية ومنها الغربية حين فوضت أمريكا سوريا بإدارة الملف اللبناني. لكن الشيعي، بسبب صعوده المتأخر إلى عالم السياسة، ربما لم يعرف كيف يسوّق فكرته عن تقاربه مع إيران، وهذا الأمر في العرف الاجتماعي طبيعي، فالشيعي لم يعش السلطة ويمتلك آليات الحكم كما امتلكها الموارنة الذين انتشروا في العالم منذ ألف سنة تقريبًا، أو السنة الذين بطبعهم هم الأمة وأهل الحكم. لذلك فُهم التحالف الإيراني الشيعي منذ بدايته بمفاهيم خاطئة او تم تاوليه لاسباب دينية وطائفية كما هو سائد في الصراع الشيعي السني التاريخي.

 

مع أنه كما الكنيسة تدين بالولاء إلى الفاتيكان، فإنه من الطبيعي أن يدين رجل الدين الشيعي بالولاء إلى النجف في العراق أو قم في طهران لأسباب دينية. ولكن الذي ميز الموارنة أن الكنيسة لا تتدخل بصورة مباشرة في الإدارة السياسية، مما منح هامشًا أكبر لرجال السياسة المارونية، بينما المجتمع الشيعي لا يحكمه إلا رجل دين. وبسبب أن رجل الدين عليه أن يتخرج من إحدى هاتين الدولتين، إما النجف في العراق أو قم في إيران، فكانت تغلب عليه الفكرة الدينية، مع أن النزعة الوطنية للشيعي لا مساس فيها أو غبار عليها.

 

واستطيع أن أخبرك صراحة أنه بسبب تقاربي مع النخبة المارونية الأساسية، وهي الرعيل الثاني من مؤسسي لبنان الكبير، لم أسمع يومًا من نخبوي ماروني كلمة واحدة قاسية تجاه الشيعة، بل يتحدثون عن الشيعة وكأنهم جزء من الطائفة المارونية. وهذا الحرص كنت أستشفه وأسمعه صراحة من الكثير من رجال الدين في الكنيسة المارونية، فالكنيسة المارونية قدمت الكثير للشيعة وفرضت وجودهم على راس السلطة التشريعية بسابقة في العالم العربي كمنصب رسمي، ولم تبخل يومًا عليهم بأي جهد، حتى كتب الإمام علي التي طُبعت حتى بعد الحرب الأهلية هي بغالبيتها طُبعت على نفقة الكنيسة وليس آخرها كتاب “الإمام علي صوت العدالة الإنسانية” للفيلسوف الأستاذ جورج جرداق الذي ربطتني فيه صداقة ومعرفة في أواخر حياته رحمه الله. بل أستطيع أن أسرد أمامك سيلًا من الأسماء السياسية المارونية التي كانت ترى في الشيعي ضمانة المسيحي، كما كان السيد موسى الصدر وغيره من رجال الدين الشيعة يرون في المسيحي ضمانة الشيعي، بل إن تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى كان بدفع من المسيحيين الذين دعموا إقامته، والذي تأسس عام 1967 بعد مرور أكثر من 20 سنة على استقلال لبنان، والا في تلك الحقبة عندما كانت كافة الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية الماروني لو اراد الرفض لما اقر المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى.

 

لذلك اليوم، عندما أسمع مسيحيًا، وخاصة مارونيًا، يتهجم على الشيعة، أو شيعيًا يتهجم على ماروني، أنظر بعين الحزن والأسى إلى هذا المستوى الذي وصلا إليه. وعلينا أن لا ننسى أن تقارب شيعة لبنان مع الإيرانيين كان في بدايته ونحن نتحدث في مطلع الثمانينات، حيث كان الشيعة لا يمكنهم التوجه إلى النجف بسبب حكم صدام حسين المناهض للشيعة، وكان يعتقل رجال الدين وحتى الشيعة العاديين، ولم تكن إيران التي كانت تخوض حربًا ضروسًا مع العراق وبقية العالم قد ارتسمت معالم دورها السياسي الكبير. وحتى إن غصنا بالعمق نجد أن إيران ربما بسبب توجهها المعادي لإسرائيل وُضعت في هذه الخانة السياسية عربيا وعالميا، ووُضع معها شيعة لبنان الذين عانوا من الاحتلال الإسرائيلي وقاوموا وقدموا التضحيات لتحرير الجنوب بدعم ايراني كما ساهموا بتحرير بيروت ولبنان. لذلك الموضوع الإيراني، من وجهة نظري السياسية، لا يؤثر في العمق على الثوابت الوطنية.

 

لكن المشكلة أن الطائفة الشيعية التي أقصت أمثالنا من النخب الشيعية، مع أننا كنا قادرين على تدوير الزوايا وتقديم مشهد أكثر توازنًا مع الصورة النمطية الكلاسيكية للسياسة اللبنانية، لكن بسبب الموروث التاريخي عند الشيعة، يبدو أن فكرة أن يقدموا البراهين للطائفة السنية أنهم جزء من العالم الإسلامي فرض عليهم أن يأتوا بإعلاميين سنة من لبنان وخارجه وحتى مسيحيين من أجل إظهار هذا التقارب، ففشل الاثنان بتقديم نموذج فكري أو تصور سياسي عن المشروع الشيعي اللبناني. أما لو استفادت الطائفة الشيعية من خبرتي ومهارتي السياسية التي اكتسبتها من تقاربي مع الطائفة المارونية ربما لكان الوضع مختلفًا تمامًا اليوم.

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.

زر الذهاب إلى الأعلى