اخبار ومتفرقات

حديث الإمام علي وعزرائيل قبل استشهاد نصرالله

يوم يتبدل الوجود…

تتبدل الأرض غير الأرض، والسماء غير السماء.

الملائكة تصطف في أبهى زينتها، والأجنحة البيضاء ترفرف كأسرار الله حين يُكشف عنها الحجاب. البخور يتصاعد، والعطر يملأ الفضاء، والورود تفرش الأرض كأنها سجادة من ضوء.

جبرائيل وميكائيل وإسرافيل في المقدمة، بينما بقي عزرائيل وحده، شاخصًا، مذهولًا، ساكنًا… كأن الموت نفسه أصابه موت.

وفود الأنبياء تتقدّم، وخلفهم الصالحون والقديسون، والنار تطفأ، والظلمات تنحسر. وحده عزرائيل يحدّق في ملكوت الله، يذوب في صمته كمن يكتشف أنه ليس إلا تفصيلاً في سرّ أكبر.

تقدّم الإمام علي (عليه السلام)، وخلفه الحسين، نوران يفتحان دربًا بين الجمع، حتى وقفا أمام ملك الموت. قال له الإمام علي:

ـ ما بالك صامتًا أيها الموكّل بالأرواح؟ انهض، قف على قدميك، واسمع جيدًا ما سأقوله لك:

يا ملك الموت، إن كنت تظن أنك أخذت روحي يوم ضربة ابن ملجم فأنت مخطئ؛ لأنك لو نظرت إلى روحي حينها لعلمت أن نصفي كان قد مات مع موت محمد، ونصفي الآخر مع موت فاطمة، ولم تكن لدي روح أخرى لأعيشها وأرى أبنائي يموتون في كربلاء.

وكذلك نصرالله لم يمت اليوم، بل مات نصفه يوم مات عباس وهادي وعماد وقاسم، ومات نصفه الآخر مع موت أطفال ونساء غزة وأحبته الذين بكاهم وهم جرحى وأموات خلال دقائق قليلة.

دعه يأتينا… دعه يرتاح.

رفع عزرائيل صوته الذي يشبه طعم العلقم:

ـ أعرف أن السماء تهيأت لاستقبال الحبيب… لكني أخشى أن أفقد نفسي بعده. كنتُ علة وجودي أن أفرّق الأحباب وأهدم اللذات، أما اليوم… فبموت هذا الرجل قد ينقلب المعنى: سيقتحم الناس الموت لا ليهربوا منه بل ليلحقوا به. فما أنا بعد إذن؟

ابتسم الإمام علي، وقال بصوت الفلسفة التي لا تموت:

 

ـ يا عزرائيل، إن الإنسان غريب في هذا العالم، وعيه بالزمن أوسع من عمره القصير. يعيش في قلعة من تراب، عابرًا نحو مصير لا مهرب منه. الموت ليس عدوًا خارجيًا، بل هو جوهر الحياة ذاتها، يسكنها منذ أول لحظة كظلٍّ لا ينفصل عن النور.

إنك مخلوق للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء. كل سلطان، كل حضارة، كل مملكة تنتهي بكفن. حتى سليمان، الذي سُخرت له الريح والجن، لم يجد طريقًا ليتجاوز اللحظة الأخيرة.

لكن اعلم: الفناء ليس عدمًا، بل اكتمال دائرة الوجود. والموت ليس استسلامًا، بل يقظة. من يعيه يحيا، ومن يغفل يموت قبل أن يموت.

سكت الجمع، وإذا بالطبل يُقرع، والدموع تنهمر فرحًا باللقاء وحزنًا على الفقد. استقبلت السماء القادم الجديد… بينما ظلّت الأرض تبكي غيابه.

وفي تمام الساعة السادسة وواحد وعشرين دقيقة، وجد عزرائيل نفسه أمام نصرالله، الذي كان قائمًا في صلاته. سجد نصرالله سجدة طويلة، صامتة، كأنها آخر نهر يتدفق من قلبه إلى الله.

وقف عزرائيل يتأمله وهو ساجد، يقول في نفسه:

هل أقبضه وهو ساجد؟ إنني أستحي أن أنظر في عينيه، بل أخاف أن أضعف أمامه فأعصي أمر ربي…

استوى نصرالله من سجوده، تشهّد ورفع السلام يمينًا:

“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”

ويسارًا:

“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”

ثم التفت نحو عزرائيل، نظر في وجهه بابتسامة من يعرف، وقال بهدوء:

“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… لقد تأخرتَ كثيرًا، وانتظرتُك كثيرًا… أرجو ألّا تكون زائرًا، بل قابضًا.”

انهمرت دمعة على وجه عزرائيل، وهو الملك الذي لا يبكي.

قال نصرالله، وهو واقف كجبل يواجه العاصفة:

“ماذا بك؟ ماذا أريد بعد؟ أنا نصرالله…”

كانت القنابل تقترب، تشق طريقها نحو عمق الروح لتصل إلى الروح، كأنها تكتب آخر سطر في كتاب الأرض.

وفي تلك اللحظة، أدرك عزرائيل سرّ كلام الإمام علي:

أن هذه الدنيا لا تسع بعض الرجال… وأن وجود نصرالله أعظم من أن يُحبس في هذه الفانية.

فابتسم نصرالله ابتسامة العارف بالسرّ، وبسط يده كأنه يسلّم الأمانة، وقال:

“هيا… قد آن الرحيل.”

السادسة وواحد وعشرون دقيقة بدا العروج، القنابل في الأرض ترعد، والرعد في السماء.

وهكذا، بين سجدة وابتسامة، بين القنابل والسلام، ودموع تنهمر من تلقاء نفسها، ومشاعر تختلط فيها كل قيم الانسانية والالهية، حمل عزرائيل روح السيد نصرالله لا كقابضٍ وحسب، بل كمن يرافق نجمًا إلى سماء أخرى.، حيث يلتقي بمن يحب.

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى