
كتب العميد منير شحادة
مقدّمة: ما هي المحكمة الجنائية الدولية؟
المحكمة الجنائية الدولية، التي مقرّها في لاهاي بهولندا، هي هيئة قضائية دولية مستقلة تُعنى بمحاكمة الأفراد لمخالفات جسيمة للقانون الدولي مثل جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية. تأسّست بموجب معاهدة روما عام 1998 والتي دخلت حيّز التنفيذ في 2002، وتعمل بشروط يُطلق عليها مبدأ التكميلية (Complementarity)، بمعنى أن المحكمة تتدخل فقط إذا كانت الدولة المعنية عاجزة أو غير راغبة في التحقيق أو محاكمة الجرائم ذات الصلة.
الأحداث التي أدّت إلى إصدار مذكرة توقيف ضد نتنياهو
١ – دخول فلسطين كدولة طرف في معاهدة روما
فلسطين انضمت إلى المعاهدة، مما سمح للمحكمة باستعراض الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلّة—قطاع غزة ، الضفة الغربية، والقدس الشرقية.
٢- التحقيقات والمُقدمات :
منذ سنوات، هناك تحقيق من مكتب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بخصوص جرائم يُشتبه بأنها ارتُكِبت في السياق الفلسطيني الإسرائيلي، لا سيما خلال الحروب أو الهجمات الكبيرة مثل ما جرى في أكتوبر 2023 (هجوم المقاومة الفلسطينية “حماس” على إسرائيل ورد إسرائيل العسكري على غزة).
٣_ المذكرة/مذكرات التوقيف
في 21 نوفمبر 2024، أصدرت غرفة التمهيد الأولى في المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحقّ رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، وأيضًا بحقّ قائد من حركة حماس “محمد الضيّف”.
التهم الموجّهة إلى نتنياهو
وفق ما ورد من المحكمة، التهم الأساسية هي:
جرائم حرب منها استخدام التجويع كسلاح في الحرب، والقتل المتعمَّد للسكان المدنيّين.
جرائم ضدّ الانسانية، وتشمل القتل، والاضطهاد، وأعمال لا إنسانية أخرى.
الفترة الزمنية التي تغطيها التهم تمتد من 8 أكتوبر 2023 وحتى 20 مايو 2024، وذلك حسب طلب المدّعي.
الموقف الإسرائيلي وردود الفعل
رفض تام
إسرائيل رفضت صلاحية المحكمة الجنائية الدولية في هذا السياق، معتبرة أنّها لا تملك ولاية قضائية على مواطنيها وأنها ليست طرفًا في المعاهدة التي تمنح المحكمة مثل هذه الصلاحيات.
اتهامات بالتحيّز والسياسة
القيادة الإسرائيلية وصفت المذكرة بأنها ذات طابع سياسي، واستخدمت تعابير مثل “معاداة السامية” (Anti-Semitism)، و”محاكمة دريفوس جديدة” (إشارة إلى قضية ألفريد دريفوس في فرنسا قبل أكثر من مئة عام)، معتبرة أنّ المحكمة تستهدف إسرائيل كدولة أكثر من أي تقييم محايد للأفعال.
الوضع القانوني: ما هي العقبات؟ وما هي الخطوات القادمة؟
١- مبدأ الاختصاص (Jurisdiction)
المحكمة تعتمد على أن الدولة التي تُرتَكَب الجرائم ضمن أراضي يُعترف بها كطرف في الميثاق، أو أن الجناة مواطنون من دول طرف. فلسطين تُعتبر الآن طرفًا، وهو ما يمكّن المحكمة من النظر في الجرائم التي يُزعم أنها ارتُكبت على أراضي فلسطينية.
٢ – مبدأ التكميلية (Complementarity)
إذا أظهرت إسرائيل أنها تحقق بفعالية في هذه الجرائم ضمن نظامها القضائي، فذلك قد يحول دون تدخل المحكمة، أو على الأقل يُشكّل جزءًا من الدفاع. حتى الآن، إسرائيل ترفض بأن المحكمة تملك الاختصاص، وتُبدي أن التحقيقات الداخلية قائمة أو أنها قادرة على المحاسبة.
٣- تحديات التنفيذ (Enforcement)
المحكمة ليس لديها قوة أمنية لتنفيذ مذكرات التوقيف بنفسها؛ تعتمد على الدول الأعضاء في المعاهدة ليُفِرِضوا تنفيذًا إذا دخل المُتهم إلى أراضيهم. إذا سافر نتنياهو إلى دولة طرف في المحكمة، فهناك احتمال أن يُعتقل. لكن في الدول التي ليست طرفًا أو لا تعاون، التنفيذ سيكون صعبًا للغاية.
٤- الطعن القانوني والإجراءات القضائية
إسرائيل طلبت من المحكمة أن تسحب مذكرات التوقيف، أو تعلّق القضية، معتبرة أن المحكمة لا تملك الاختصاص، وأن المذكرة تجاوزت حدودها. المحكمة في بعض الأحيان رفضت مثل هذه الطلبات أو بقت في مسارات إعادة النظر القانوني. على سبيل المثال، قُدِّمت طعون أمام غرفة الاستئناف.
الأهمية والتأثير
سابقة قانونية: لو تمّ تنفيذ التهم ومحاكمة رئيس حكومة دولة يعتبرها الكثير من حلفاء دولية قوية، ستكون هذه سابقة كبيرة في القانون الدولي.
آثار دبلوماسية: إصدار مذكرات توقيف يولّد توتّرات بين إسرائيل ودول كثيرة، خاصة تلك الأطراف في معاهدات روما، وقد يؤثر على العلاقات والتنسيق السياسي والدبلوماسي.
نقاش أخلاقي / حقوقي: قضايا مثل استهداف المدنيين، حظر التجويع كسلاح، الإغاثة الإنسانية، كافة هذه القضايا تفتح نقاشًا واسعًا حول الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
الخلاصة
محاكمة نتنياهو في المحكمة الجنائية الدولية ليست مسألة سهلة، بل إنها تمثّل تقاطعًا بين القانون الدولي والسياسة الدولية، وتحمل في طيّاتها إذعانًا أو تحديًا لمبادئ العدالة الدولية. الأهم من ذلك أنّ نتائجها سترسم خطوطًا لما يمكن أن يُعتبر مقبولًا أو غير مقبولٍ في الحروب المعاصرة، وكيفية المساءلة على انتهاكات الحرب وحقوق الإنسان.
هذه المرة الأولى في التاريخ التي تقف فيها إسرائيل في قفص الإتهام أمام شاشات العالم ، و رغم الأمل الضعيف بالوصول في هذه المحاكمة إلى محاسبة هذا الكيان على إجرامه ، لكن ما وصلت إليه هذه المحكمة و ما صدر من مذكرات توقيف بحق نتنياهو و وزير حربه غالنت ، جعل العديد من الدول الموقعة على معاهدة روما محرجة مما قد يدفعها للإنسحاب منها منعاً لإضطرارها من تنفيذ هذه المذكرات ، الأمر الذي فضح هذه الدول أمام شعوبها و أمام العالم لناحية سعيها للإنسحاب من هذه المعاهدة على أن تطبق مذكرة التوقيف .
كما أن هذه المحاكمة فضحت الصهيونية العالمية إستناداً إلى تصريحات مدعي الجنائية الدولية القاضي كريم أحمد خان الذي قال فيها أنه تلقى تهديدات و أنه تبلغ أن هذه المحكمة أُنشئت لمحاكمة دول العالم الثالث و ليس لمحاكمة إسرائيل حيث تبين أن الموساد الإسرائيلي قام بإبتزاز مدعي الجنائية الدولية الأسبق في أمور أخلاقية .
كما أن هذه المحاكمة فضحت أميركا لناحية إضطرارها لأخذ إجراآت محرجة امام الرأي العام الاميركي و العالمي لحماية نتنياهو من هذه المحاكمة