
كتب العميد منير شحادة
أولاً: ما مضمون خطة ترامب لقطاع غزة؟
قبل تقييم إمكانية التنفيذ، من المهم معرفة ما تتضمنه الخطة حتى الآن :
في 29 سبتمبر 2025، أعلن ترامب مع نتنياهو خطة من 20 نقطة لوقف الحرب في غزة وإنهاء الصراع.
من أبرز بنود الخطة:
١- وقف فوري للأعمال القتالية إذا تم قبول الشروط من الطرفين، وسحب القوات الإسرائيلية إلى خطوط متفق عليها، وتعليق كافة العمليات الجوية والبرية حتى تكتمل الشروط.
٢- إعادة كلّ الرهائن — الأحياء والأموات — خلال 72 ساعة من إعلان إسرائيل قبول الخطة علناً.
٣- إطلاق سراح سجناء فلسطينيين: يُقترَح أن تطلق إسرائيل سراح 250 من المحكومين مدى الحياة، بالإضافة إلى حوالي 1,700 من المعتقلين بعد 7 أكتوبر 2023، على أن يُصار إلى مبادلة الأجساد بنسب محددة.
٤- إدارة مؤقتة لغزة من قِبَل لجنة تكنوقراطية فلسطينية، دون دور لحركة حماس أو للسلطة الفلسطينية في الحكم المباشر، مع إشراف دولي.
٥- نزع السلاح وإنهاء بنى الإرهاب داخل القطاع، بما في ذلك تفكيك الأنفاق والبنى التحتية العسكرية، تحت إشراف مراقبين مستقلين.
٦- إنسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من القطاع، وفق معايير زمنية ومراحل، مع بقاء مناطق أمنية تحت السيطرة عند الحدود أو المحاور الأساسية حتى يتحقّق الاستقرار.
٧- تدفق مساعدات إنسانية فورية، وإعادة بناء البنى التحتية (الكهرباء، المياه، المستشفيات، فتح الطرق، إزالة الأنقاض) من دون عرقلة من أي طرف.
٨- ضمان أن لا يُجبر أحد على مغادرة غزة، لكن من يرغب بالمغادرة يُمنح الحرية للقيام بذلك والعودة لاحقاً إن شاء.
٩- تشكيل قوة دولية مؤقتة (International Stabilization Force) تعمل مع الشرطة الفلسطينية الممنوحة الشرعية، وتنسيق مع إسرائيل ومصر لتأمين الحدود ومنع تهريب الأسلحة.
الخطة تشدّد على أن إسرائيل لن تحتل غزة أو تعلن ضمّها بعد انتهاء الحرب، وأن الانتقال سيكون تدريجياً إلى إشراف دولي مع ضمانات أمنية لإسرائيل.
لكن الخطة تقول أيضاً إنه إذا رفضت حماس الخطة أو تأخرت، فإن بعض البنود — مثل دخول المساعدات، إنشاء المناطق الآمنة، والسيطرة على مناطق يتم تسليمها تدريجياً — قد تُنفَّذ على أي حال في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل.
في وقت سابق (فبراير 2025)، طرح ترامب اقتراحاً مثيراً للجدل بأن الولايات المتحدة “تتولى” غزة، مع فكرة تشجيع سكان غزة على الانتقال مؤقتاً لدول مجاورة، وتطوير القطاع كـ “ريفيرا الشرق الأوسط”.
هذا الاقتراح واجه رفضاً شديداً، باعتباره يرقى في خطوطه إلى مشروع تهجير جماعي أو تطهير عرقي، حسب منتقديه.
ثانيًا: التحديات الكبرى أمام تنفيذ الخطة
حتى إذا قُبِلت الخطة رسمياً، فإن هناك عدداً من العقبات التي قد تحول دون تنفيذها بالكامل أو تدفع إلى اختراقها:
١- الشرعية والمصداقية
كثير من الفلسطينيين يَنظرون إلى الخطة كخدمة لإسرائيل أكثر منها لحل عادل، لا سيما لكونها تهمش دور حماس والسلطة الفلسطينية، وتحمّل الفلسطينيين شروط نزع السلاح والتنازل عن حق المواجهة.
أي إخلال من إسرائيل ببنود الخطة، أو تأخير في تسليم المساعدات أو الانسحاب، سيقوّض الثقة سريعًا، وقد يُعاد الوضع إلى الحرب من جديد.
٢- الضغوط الداخلية في إسرائيل
الحكومة الإسرائيلية تضم أحزابًا قوية متطرفة قد ترفض تقييد النشاط العسكري أو الانسحاب .
التزام الحكومة الإسرائيلية بتبادل الأجساد والرهائن ومواعيد صارمة قد يُجابه بمماطلة أو تأخير .
٣_ موقف حماس والفصائل
لكسب القبول لدى حماس، يجب أن تضمن الخطة حماية لحقوق الفلسطينيين، وجود ضمانات دولية، وعدم السماح بإعادة نشر أقوى من ذي قبل، وهو أمر عسير.
أي تأخير في الإفراج عن الرهائن أو الأحياء منها أو تأخر المبادلة قد تهدّد استئناف القتال.
٤- مراقبة التنفيذ والامتثال
يجب وجود آليات مراقبة دولية محايدة وفعالة لتأكد من تنفيذ البنود.
قد تتهرّب إسرائيل من تنفيذ بعض البنود تحت ذرائع أمنية، أو تبريرات للتهديدات المستجدة.
سرعة التنفيذ ضرورية خصوصًا في ملف الإفراج عن الرهائن، لأن أي تأخير سيُستخدم ذريعة لاستعادة العمليات.
٥- الضغوط الإقليمية والدولية
مصر والأردن لهما دور محوري على الحدود، وربما تحفظهما اعتراضات على أي تهجير إضافي أو أي انتهاك لسيادتهما أو أمنهما.
الإدارة الأمريكية نفسها قد تواجه تحفظات في الكونغرس أو من حلفائها.
٦- العوامل الأمنية الميدانية
تواجد خلايا نائمة، عمليات ضدها، مقاومة محلية أو متفرقة قد تنهار بثبات الخطة.
توافر الفصائل الساعية إلى تجديد القتال قد يطالبون بخرق الهدنة.
إذا تبيّن أن التهدئة تُستخدم لإعادة التجهيز أو إعادة الإمداد، قد تُعاد الحرب من جديد.
ثالثًا: هل ستلتزم إسرائيل بالخطة؟ هل ستصمد؟
ليس هناك يقين مطلق، لكن يمكن تقديم تقدير نسبي بناءً على تجارب تاريخية، المصالح، والدوافع:
إسرائيل قد تلتزم مرحلياً وبشكل رمزي بالجزء المتعلق بالإفراج عن الرهائن والأجساد، لأنها مكسب سياسي ودبلوماسي كبير، ومن شأنه تحسين صورتها الدولية.
لكنها قد تحجم عن الالتزام الكامل، خصوصًا فيما يتعلق بالانسحاب من المناطق الحدودية أو التنازل عن الهوامش الأمنية أو تخفيف الضغط العسكري .
بعض البنود التي تتطلب تعاونًا دوليًّا كبيرًا وإشرافًا محايدًا قد تواجه مقاومة أو تأخيرًا متعمدًا.
بعبارة أخرى، من المرجح أن إسرائيل تلتزم بشكل جزئي، لكنها ستُبقي لنفسها “مخارج” لتتراجع إذا اقتضى الأمر، خصوصًا إذا ظهر تهديداً أمنياً حقيقياً.
رابعًا: السيناريو المحتمل حسب المراحل
بافتراض أن الخطة تُسير كما هو معلن أو أنها تُجرَّب، فالسيناريوهات المحتملة :
١_ المرحلة الأولى: تنفيذ بنود “الإفراج والتجميد”
إسرائيل تعلن قبولها للخطة، تعلن وقفًا مؤقتًا للتصعيد، وتبدأ عمليات تبادل الأسرى الأحياء و الأموات خلال المدة الزمنية المحددة.
تُخفف بعض الضربات أو تنقل قواتها إلى مواقع متفق عليها.
تُرسل مساعدات إنسانية كبيرة إلى غزة، ويبدأ العمل على إعادة بناء البنى التحتية تحت مراقبة دولية.
حماس قد تشارك جزئياً في مراقبة التنفيذ، وتتخلص من جزء من سلاحها الخفيف، أو تلوّح بذلك كإشارة حسن نية.
٢_ المرحلة الثانية: الانتقال إلى إدارة مؤقتة ونزع سلاح
بعد إنجاز التبادل، يُفترض أن تُنشأ اللجنة التكنوقراطية، ويتم تفعيل القوة الدولية المؤقتة (ISF) للسيطرة على الأمن الداخلي، وتبدأ عملية تفكيك الأنفاق، المخازن، البنى العسكرية.
تبدأ إسرائيل الانسحاب التدريجي من القطاع، وتسليم أجزاء منه إلى الجهات المحلية أو الدولية.
تُفتح المعابر بالكامل، يُعاد تأهيل المدارس والمستشفيات، يُطرح مشروع اقتصادي تنموي لإعادة الحياة .
احتمال آخر: إسرائيل تحتفظ بحق التدخل أو استخدام القوة إذا رأت أي خرق أمني أو إعادة تسليح من طرف فلسطيني.
من وجهة نظري، الاحتمال الأكثر ترجيحًا هو أن المرحلة الأولى من الخطة تُنفَّذ إلى حدٍ معقول، خصوصًا ملف الرهائن والإفراج الجزئي والمساعدات، لكن المرحلة الثانية والثالثة ستواجه صعوبات كبيرة وربما تُعطَّل أو تُعوّضها إعادة عمليات عسكرية أو تجاذب سياسي.
باختصار:
لا أتوقع أن تلتزم إسرائيل بالخطة بكل تفاصيلها بشفافية كاملة.
لكن من المرجّح أن تحاول استخدام الخطة كغطاء لتجميد الأعمال العسكرية وإعادة ترتيب الوضع الدولي والدبلوماسي ، لتتمكن من إستلام أسراها الأحياء منهم و الأموات لتعود إلى إستئناف الحرب
جزئياً أو كلياً لتحقق أهدافها : القضاء على حماس و تفريغ غزة من سكانها .