اخبار ومتفرقات

يا ليته ما عاد…

لن يرضى عنك احد حتى انت ستصبح عدوّ نفسك،قالت هذه الكلمات ومضت إلى زاوية طاهرة في البيت وأقامت الصلاة ،لم يفهم ما قالته،اعتبر كلامها تكملة لنصّ مقدّس لم يأت به نبيّ وخرج،أغلق الباب خلفه ومشى،لم يعد الا وقد شاب شعره،عاد إلى ضريحها بعد مئة عام،وقف وأعاد قراءة إسمها على الشاهد عدة مرّات، لم يصدّق ان الأم تموت.

لم يحضر ليتلو سورة الفاتحة،جاء ليكمل حديثاً معها بدأه منذ طفولته،حكى وحكى حتى ملّ القمر من كلامه،جاء ليسألها كوب ماء عند عطش،غطاء عند برد،طعام عند جوع،شكوى بلا حاجة لردّ او معضلة بلا حلّ،عاد ليخبرها أنّه لم يصدق ان العمر سريع إلى حدّ الدهشة،ماذا يفعل بشيب شعر لطالما سرّحته بيديها وهي تمدحه وتبشرّه بمستقبل زاهر تفخر به،عن بشرة وجه لطالما تغنّت بها وقد فقدت نضارتها .

عاد ليسألها رأيها به وقد صار شيخاً وحيداً ،صديق وعدوّ نفسه،جاء ليسألها كيف عرفت وكيف توقعت وكيف لم ينتبه لها ولو بعناق لطيف وسريع .

تموت الامّ كي لا ترى طفلها عجوزاً محطّم الفؤاد،لا تستطيع أن تناوله حتى دواءه.

نعود دائما بعد مرور آخر قطار في آخر محطة لأننا من اهل فوات الاوان.

يا ليته ما جاء ولم يحضر،يا ليته ما عاد.

عند الفجر مرّ بقربه حفّار قبور اهل ضيعته،ناداه،طلب منه أن يحفر له ضريحه قرب امّه،ذكّره صديقه الحفّار بجملة لطالما ردّدها بشبابه،ان الحرية هي في التحرر من الوالدين وأخبره ان لا مكان لضريح قرب قبر أمّه،التفت نحوه وأشار له عن مكان ضيّق و فارغ وقال:

لا بأس ادفني هنا وقوفاً في باطن الارض مطأطأ الرأس احتراما لمن كان هنا وأحبّنا ورحل بصمت.

يا ليته ما جاء ولم يحضر،يا ليته ما عاد.

د.احمد عياش 

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى