اخبار ومتفرقات

المرأة اللبنانية… الحاضرة الغائبة

سألني أحد الأصدقاء يومًا: لماذا تغيب المرأة اللبنانية عن المشهد السياسي وكأنها خارج دائرة الشأن العام؟

ابتسمت وقلت له:

المرأة يا صديقي لم تغب يومًا، فهي حاضرة في كل زاوية من هذا الوطن، في بيته ومدرسته، في عمله ومستشفاه، في ساحاته ومؤسساته.

هي فقط غُيّبت عن مواقع القرار، عن المقاعد التي تصنع السياسات وتحدد مصير البلاد.

ولكي نفهم هذه الإشكالية بعمق، لا بد أن نقرأ تاريخنا بصدق.

منذ قيام الكيان اللبناني، كان وطننا ساحة حروب أكثر منه ساحة حكم.

منذ الحرب الأهلية عام 1975، تسلّق أمراء الحرب إلى السلطة، وحوّلوها من مسؤولية إلى غنيمة، ومن موقع خدمة إلى جبهة نفوذ.

ومنذ ذلك الحين، احتكر الرجال المشهد، واعتبرت المرأة أن السياسة حقل ألغام لا مكان فيه لخطواتها الرقيقة ولكن الثابتة.

فتراجعت، لا خوفًا، بل حفاظًا على ما تبقّى من سلامها الداخلي.

ومع ذلك، لم تتوقف عن العمل والبناء.

المرأة اللبنانية اليوم متعلّمة، مثقفة، ناجحة في كل القطاعات الاجتماعية والاقتصادية.

بلغت أعلى المناصب في الشركات والمؤسسات، لكنها ما زالت تُقصى عن الصفوف الأولى في الأحزاب السياسية، حيث تُصنع القرارات وتُحاك الصفقات.

وللمفارقة، ما زال كثير من الرجال يشكّون بقدرتها على الحزم، وكأن الحسم حكرٌ على صوتٍ مرتفع أو قبضةٍ غليظة!

لكن إن نظرنا إلى حال البلاد، إلى فشل السلطة الذكورية في إدارة أزماتنا، نسأل أنفسنا:

ألم يحن الوقت لتتقدّم المرأة وتستلم الدفة؟

أنا مواطنة لبنانية، أؤمن بهذا الوطن رغم كل تناقضاته، أؤمن بفرادته في هذا الكون.

لبنان، رغم الجراح، يبتسم.

شعبه، رغم الفقر، يغني ويحبّ ويضحك، وحين تُمسّ كرامته ينتفض كالبركان.

لكن المشكلة ليست في الشعب، بل في من نصّبوا أنفسهم قادة عليه، فحوّلوه إلى وسيلةٍ لمصالحهم، وأفقدوه أبسط حقوقه في حياةٍ كريمة.

لهذا السبب رشّحت نفسي للانتخابات النيابية عام 2013 ، 2014, 2018, 2022 وسأعيد الكرّة اليوم وكل مرة.

رشّحت نفسي لأن هذا حقي، ولأنني أؤمن بقدرتي على التغيير.

ترشّحت لأنني أؤمن أن العمل العام هو خدمة، لا سلطة.

في اللغة الأجنبية يُقال public service، أي خدمة عامة.

لكننا في لبنان نسينا المعنى، فاستبدلنا الخدمة بالوجاهة، والمصلحة العامة بالمصلحة الشخصية.

آن الأوان أن نعيد الأمور إلى نصابها.

حقوق المرأة في لبنان ما زالت ناقصة، رغم أننا نتغنى بانفتاحنا وثقافتنا.

نحسب أننا أنصفناها لأنها تخرج وتعمل وتختار ما ترتدي، لكننا نسينا أن الحقوق ليست حرية المظهر، بل حرية القرار.

حقوق المرأة تُقاس بمشاركتها في صياغة القوانين، لا بجلوسها في المقاهي.

والحقيقة المُرّة أن لبنان، في المؤشرات الدولية، من أدنى الدول تمثيلاً للنساء في مراكز القرار.

ومع ذلك، تبقى المرأة اللبنانية أيقونةً من الصمود والجمال.

هي الأم والمعلمة والمربية والمناضلة.

هي التي تبني بيتها من رماد الحرب وتزرع في أطفالها حلم الغد.

هي التي تنتظر ابنها الجندي على الحدود وتدعو له بصمت ودمعة.

هي التي تواجه الحياة بابتسامة تشبه نضالها: هادئة، ولكن لا تُكسر.

أقول للمرأة اللبنانية:

لقد خصّكِ الله بذكاءٍ فطريٍّ، وجمالٍ روحيٍّ، ولباقةٍ، وسرعة بديهة.

أعطاكِ الحضور، والعقل، والقدرة على الجمع بين الحزم والحنان.

فلا تكتفي بأن تكوني جميلة المظهر… بل كوني جميلة الأثر.

ارفعي صوتكِ، خذي مكانكِ، وشاركي في صنع القرار.

لأن الوطن الذي أنجب نساءً مثلكِ، يستحق أن تُحكمه امرأة.

خلود وتار قاسم

٢٦/٩/٢٠٢٥

 المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى