
في زمنٍ يختلط فيه الدين بالفتنة، والحق بالضجيج، نحن بحاجة إلى ثورة تصحيحية للمفاهيم تُعيد الإيمان إلى معناه، والعقل إلى مكانه، والرحمة إلى سلوكنا اليومي.
فالدين لم يُبعث ليُفرّق الناس، بل ليُحرّرهم من الجهل والظن وسوء النية.
الثورة الحقيقية تبدأ حين نُعيد تعريف الإيمان بأنه وعي ومسؤولية قبل أن يكون شعارًا أو هوية.
يقول الله تعالى:
“اجتنبوا كثيرًا من الظن إنّ بعض الظن إثم”،
ويقول أيضًا:
“يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.”
هاتان الآيتان تختصران أزمة الإنسان اليوم: أزمة الوعي.
فما أكثر الظن، وما أقلّ التبيّن. أصبحنا في زمن يُبنى فيه الموقف على الانفعال، لا على المعرفة، وعلى الإشاعة، لا على الحقيقة.
وهكذا تحوّل الخلاف بين البشر إلى أداة تفتيت تخدم أعداء الأرض، لا إلى ساحة حوار تُبنى فيها الأفكار وتُختبر فيها القيم.
إنّ ما نعيشه اليوم ليس مجرد اختلافٍ في الرأي أو العقيدة، بل هو انحراف في الفهم، وتشويه لمقاصد الأديان التي أنزلها الله لإصلاح الأرض، لا لإشعال الفتنة عليها.
لقد تحوّل الدين في كثير من المجتمعات إلى أداة استقطاب، واستُخدم النص لتبرير الغضب بدل تهذيبه، ولتثبيت الانقسام بدل معالجة أسبابه.
من هنا، تصبح الثورة التصحيحية للمفاهيم ضرورة أخلاقية وفكرية قبل أن تكون مطلبًا دينيًا.
إنها دعوة لإعادة إرساء الثوابت التي من أجلها بعث الله رسله: الرحمة، العدل، والكرامة الإنسانية.
فالدين ليس شعائر فحسب، بل منظومة قيم تُهذّب السلوك وتضبط العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان وخالقه، وبين الإنسان والأرض التي يعيش عليها.
لقد آن الأوان لنراجع أنفسنا:
كيف نقرأ؟
كيف نحكم؟
وكيف نتعامل مع من يختلف معنا؟
فالإصلاح يبدأ حين نمتلك شجاعة التمييز بين ما هو إلهي خالد وما هو بشري متحوّل، بين نصّ جاء للهداية، وتأويلٍ جاء لتكريس السلطة أو الكراهية.
الثورة الفكرية المطلوبة اليوم ليست ضد أحد، بل من أجل الجميع؛ ثورة تعيد للعقل مكانته، وللقلب اتزانه، وللكلمة معناها.
حينها فقط يمكن أن نعود إلى جوهر الرسالة الإلهية التي أرادت للبشر أن يكونوا خلفاء في الأرض، لا خصومًا عليها.
صباحكم تكاتف ومحبة ووعي
#خلودوتارقاسم
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.