اخبار ومتفرقات

وجود الموحدين الدروز في سوريا ودورهم في بناء الوطن والدولة

سلسلة تثقيفية تصدر عن دار الشعب للنشر

#المسلمون_الموحدون_الدروز

وجود الموحدين الدروز في سوريا ودورهم في بناء الوطن والدولة

أولًا: من العقيدة إلى الهوية

يمثل الموحدون الدروز أحد أبرز المكونات الفكرية في البنية السورية، حيث يلتقي عندهم الدين بالعقل، والعبادة بالمعرفة.

فالعقيدة التوحيدية لا تُختزل في الطقوس، بل في الفعل الأخلاقي والإدراك العقلي، ما جعل الفكر الموحدي الدرزي أقرب إلى الفلسفة منه إلى المذهب.

هذا الوعي العقلي المبكر رسّخ لديهم الإيمان بأن كرامة الإنسان هي جوهر الإيمان، وأن الدفاع عنها هو شكل من أشكال العبادة.

هكذا نشأ مجتمع الموحدين الدروز متماسكًا داخليًا ومنفتحًا خارجيًا، مؤمنًا بالانتماء لسوريا كوطنٍ جامع، وبالحرية كقيمة لا تتجزأ.

ثانيًا: من الجبل إلى الوطن

حين انطلقت الثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة سلطان باشا الأطرش، انطلقت من جبل العرب لكنها لم تبقَ فيه.

كانت ثورة ضد الاستعمار الفرنسي باسم جميع السوريين،

وكان شعارها الخالد: الدين لله والوطن للجميع.

بهذا المعنى، ساهم الموحدون في تأسيس الوعي الوطني السوري الحديث، إذ قدّموا نموذجًا لمجتمع يقدّم الوطن على المذهب، ويجعل من الكرامة معيار الانتماء.

ذلك الحدث لم يكن مجرد تمرّد، بل تجسيد لميلٍ فلسفي نحو الدولة العادلة، التي تقوم على المواطنة لا العصبية.

ثالثًا: المشاركة في بناء الدولة

بعد الاستقلال، انخرط أبناء الطائفة الدرزية في مؤسسات الدولة، العسكرية والإدارية والثقافية.

وقد عرف عنهم الالتزام والانضباط وروح الخدمة العامة.

لم تكن مشاركتهم طائفية، بل مواطِنة.

فقد ساهموا في بناء الإدارات المحلية، وتطوير التعليم، وفي الحياة الفكرية والسياسية.

وقد ظلّ جبل العرب يشكل رمزًا للوطنية المتوازنة: لا انعزال ولا انصهار، بل حضور مسؤول يحفظ الذات دون أن يبتعد عن الدولة.

رابعًا: الدروز بعد 2011 – الوعي في زمن الفوضى

مع اندلاع الأزمة السورية، لم يتجه الموحدون نحو العنف ولا الانقسام، بل اختاروا التمسك بمبدأ البقاء الوطني.

في السويداء، واجه الناس حالة التراجع في دور مؤسسات الدولة نتيجة الحرب من خلال تنظيم ذاتي مدني وشعبي، هدفه حماية المجتمع، وليس تحدي الدولة.

نشأت مبادرات محلية للدفاع عن الأمن، وتأمين الخدمات، والحفاظ على النسيج الاجتماعي في مواجهة الفوضى.

ومع تصاعد الاحتجاجات الأخيرة في السويداء (2023–2024)، برز خطابٌ جديد يعيد تعريف العلاقة بين المجتمع والدولة:

رفض الفساد والظلم، دون المساس بفكرة الدولة نفسها.

هذا الموقف العقلاني منح الطائفة الدرزية مكانة فريدة: فهي لم تكن طرفًا في الصراع، بل صوتًا وطنيًا ناقدًا يطالب بإصلاح الدولة لا هدمها.

ومع ذلك، شهدت المحافظة مؤخرًا حوادث دامية واشتباكات داخلية تسببت في سقوط ضحايا من المدنيين والعسكريين، وأثّرت بعمق على الحالة الوطنية.

فقد مثّلت هذه الأحداث جرس إنذار خطير حول هشاشة التوازن الاجتماعي في لحظة الانهيار الاقتصادي والسياسي العام.

إنّ معالجة هذه الجراح لا تكون بالقوة، بل عبر مسار عدالة وطنية حقيقية يضمن المحاسبة والإنصاف، ويعيد الثقة بين المواطن والدولة.

فمن دون عدالة، تتآكل الوحدة الوطنية من داخلها، ومن دون مصالحة عقلانية لا يمكن بناء وطن مستقر.

خامسًا: البنية الاقتصادية والاجتماعية

رغم التراجع الاقتصادي العام في البلاد، احتفظت السويداء ببنية تضامنية محلية قوية، حافظت على الحد الأدنى من الاستقرار.

تغذّيها شبكات الاغتراب، والزراعة، والمبادرات المدنية.

هذا الاقتصاد الاجتماعي الصغير هو امتداد لثقافة “الاعتماد على الذات” التي تميّز الجبل منذ قرون، وهو أحد أسرار صموده.

سادسًا: الدروز والهوية السورية المعاصرة

في مرحلة التفتت والانقسامات الطائفية، بقي الموحدون الدروز من أكثر المكونات تمسكًا بفكرة الوطن كوحدة قيمية وأخلاقية.

فهم لا ينظرون إلى سوريا كجغرافيا فقط، بل كمعنى — وطن يقوم على العدالة والعقل والكرامة.

ولهذا، ظلّ موقفهم في الأزمة أقرب إلى الضمير الوطني الذي يذكّر الجميع بأن الدولة ليست مجرد سلطة، بل عقد اجتماعي وأخلاقي بين الناس.

ويبرز هنا مثال دروز الجولان المحتل الذين يعيشون منذ عام 1967 تحت الاحتلال الإسرائيلي، لكنهم رفضوا التخلي عن هويتهم السورية رغم كل الضغوط السياسية والإغراءات الاقتصادية.

منذ فرض إسرائيل لبطاقات الهوية الإسرائيلية في الثمانينيات، وقف أبناء مجدل شمس، ومسعدة، وبقعاثا، وعين قنية صفًا واحدًا معلنين: سوريا هي الوطن، والجنسية الإسرائيلية لا تمثلنا.

لقد تحوّل هذا الموقف إلى رمز عالمي للثبات على الانتماء الوطني، إذ بقي علم سوريا مرفوعًا في الجولان رغم الاحتلال، وبقيت الأغاني الوطنية والاحتفالات بذكرى الجلاء تعبّر عن وجدانٍ سوري لم تغيّره عقود من العزل.

بهذا المعنى، يجسّد دروز الجولان الهوية السورية في أنقى صورها: هوية لا ترتبط بالحدود بل بالوعي، ولا تنحصر بالجغرافيا بل بالكرامة والانتماء.

خلاصة

يشكّل الوجود الدرزي في سوريا أحد أعمدة التوازن التاريخي والرمزي للدولة السورية.

فهم لم يكونوا يومًا عاملَ انقسام، بل دائمًا عامل وعي.

من سلطان الأطرش إلى جيل اليوم في السويداء والجولان، بقي الخط واحدًا:

كرامة الإنسان هي مقياس الوطنية، والعقل هو وسيلة الإيمان، وسوريا هي الفضاء الجامع لكل أبنائها.

الإعداد : مجموعة من الباحثين في دار الشعب للنشر

الاشراف : حسين راغب الحسين مدير الدار

زر الذهاب إلى الأعلى