اخبار ومتفرقات

أزمة الواقعية الشيعية مقارنة بالمسيحي

في الثالث والعشرين من تموز عام 2025 كتبت مقالًا بعنوان:

“انتهى دور باراك في لبنان، وما حصل مع الدروز حمى الأقليات”.

شرحت فيه، يومها، الأسباب التي جعلت مهمة المبعوث تنتهي، وفسّرت لماذا فشلت.

وكعادتي، وزّعت المقال على آلاف القرّاء عبر المجموعات والصفحات، فالكلمة التي تُكتب من القلب لا تعرف حدودًا، بل تسافر حيث تشاء.

 

كالعادة اتصفح بعض الرسائل للاجابة عليها الا ان رسالة الامس 28 – 10 – 2025 استوقفتني بشدة، كتب لي رجل محترم، أعرفه منذ زمن، يقول:

“يا أستاذ ناجي، توم باراك راجع على لبنان، يعني مش متل ما قلت حضرتك.”

لم أستغرب الرسالة، فقد قال لي الكلام ذاته قبل شهرين تقريبًا.

وكنت قد شرحت له حينها أن عودة باراك أمر طبيعي، وأنها ليست نقيضًا لانتهاء مهمته، بل جزء من البروتوكول الدبلوماسي.

ومع ذلك عاد وسأل، وكأنه لا يريد أن يفهم بل أن يُكذِّب،

كأن الحقيقة لا تُرضيه إلا إذا وافقت هواه.

 

هنا بدأت أتأمل، لا في الرسالة، بل في الذهنية التي كتبتها.

تلك الذهنية التي تتعلق بالوهم، لا لأنها تجهل الحقيقة، بل لأنها تخافها.

الشيعي الذي يخالفني لا يريد أن يقتنع، بل يريد أن يطمئن إلى أن خطأً واحدًا في مقالي يكفيه ليُبقي على وهمه حيًّا،

كمن يقول في سره: “طالما أن ناجي أخطأ، فالعالم ما زال كما أحب أن يكون.”

 

إنه لا يرى الواقع كما هو، بل كما يحتاجه ليهدأ.

وهي آلية نفسية قبل أن تكون فكرية، كأننا نطلب من الحقيقة أن تموت ليبقى الوهم.

 

وهذا، في جوهره، انفصال عن الطبيعة الأصلية للإنسان، عن تلك الفطرة التي فطرنا الله عليها، حين كنّا نرى الأشياء ببساطتها الأولى، قبل أن يُفسدها الضخّ الإعلامي الذي يصنعه إعلاميّون منفصلون عن الواقع.

وقد بدأت تداعيات هذا الإعلام تظهر بوضوحٍ على الطائفة.

 

بالمقابل، لديّ صديق مسيحي، في السبعين من عمره، فيلسوف ومترجم كبير، عاش حياة منسجمة بين الفكر والإيمان،

قال لزوجته وهي سيّدة أرستقراطيّة فاضلة، تنتمي إلى إحدى العائلات المارونيّة البرجوازيّة العريقة، تلك التي نالت لقب «شيخ» منذ أكثر من مئتي عام.

أما أولاده، فهم معروفون في لبنان وعلى مستوى الدول العربيّة والغربيّة معًا.

“لو كلّ الإعلام قال في حرب، وناجي أمَهز قال ما في حرب، أنا بصدّق ناجي أمَهز.”

 

لم أذكر ذلك لأقارن بينه وبين صاحبي الشيعي، بل لأشير إلى ما فقدناه نحن.

ذلك النقاء الفطري الذي يجعل الإنسان يبحث عن الحقيقة لأنها حق، لا لأنها تُرضيه أو تُنقذه من مواجهة ذاته.

أكتب اليوم لا لأعاتب، بل لأستعطف الضمير ان يساعدنا بانقاذ الشيعة مما هو اخطر من الحرب والفقر والاضطهاد التاريخي.

أكتب لأقول إن بعض الشيعة، وقد غرقوا في خطاب القوة والبهورة، صاروا غرباء عن حقيقتهم، عن الواقع المحيط بهم.

كأنهم يعيشون في حالة نيرفانا سياسية، يغيبون فيها عن الواقع ويأنسون إلى الوهم.

 

لقد صنع الإعلام وحروب الخطاب فينا إنساناً جديداً، لا يشبهنا،

إنساناً يصدق الصوت العالي، ويكذّب الهمس العاقل،

يحب من ينفخه أكثر ممن ينصحه،

ويفرح بوهم الانتصار أكثر مما يخاف من خسارة الوطن.

 

إنها ليست أزمة طائفة، بل أزمة إنسان فقد صلته بفطرته الأولى.

ولعلّ نجاتنا هي اولا بالخروج من الاعلام والضجيج، والعودة الصامتة إلى ذواتنا،

كما كان يقول روسو: “عد إلى نفسك، ففي داخلك تكمن الحقيقة.”

بالختام اعلن باراك اليوم عزوفه عن القدوم الى لبنان.

زر الذهاب إلى الأعلى