
منذ وقف إطلاق النار في أيلول 2024، لم تهدأ في لبنان الأصوات التي تتغذّى من وهم الحرب المقبلة. أبواقٌ تتحدث كل صباح عن “الضربة القريبة” و”اليوم الحاسم”، وكأنها تنفخ في رمادٍ لتُبقي النار مشتعلة، لا خدمةً للوطن بل خدمةً لعدوه.
هؤلاء الذين يُسمّون أنفسهم “إعلاميي محور المقاومة”، لم يدركوا أن تكرارهم لعبارة “بكرا الحرب” لم يكن سوى عزفٍ على نغمةٍ تخدم إسرائيل أكثر مما تُضعفها. فكل تصريحٍ بالحرب يمنح العدو اوراق الضغط، ويهيّئ الأرضية النفسية والسياسية لاستمرار القصف والاغتيال.
وبسبب التهويلٍ “ببكر الحرب”، دخلت البيئة الشيعية في دوّامة الانتظار. فكيف يرمّم الناس بيوتهم أو ينهضون باقتصادهم، إذا كان “بكرا الحرب”؟ وكيف تبني طائفة مستقبلها وهناك من يقول لها، بأن الغد هو نهاية العالم؟
لقد حذّرت، مرارًا، من هذا النهج العبثي. حاولت أن أنبّه بعض من أعرفهم في حزب الله – وهم قلّة – إلى أن هذا الخطاب لا يخدم المقاومة والطائفة، بل يهدمها من الداخل. فالخطر لم يكن في الحرب ذاتها، بل في الوهم اليومي بالحرب، في هذه الحرب النفسية التي استنزفت بيئةً بأكملها.
وحين لم تجدِ النصيحة نفعًا، بدأت بمواجهة الابواق.
في العاشر من كانون الأول 2024، كتبت مقالاً بعنوان: «تداعيات خطيرة على المقاومة والشيعة بسبب إعلاميي محور المقاومة»، ثم تتابعت المقالات، حتى وصلتُ إلى ما يشبه الصرخة في وجه جنونٍ إعلاميٍّ يتجاوز حدود المنطق والضمير.
وفي السابع والعشرين من تشرين الأول 2025، كتبت: «كلام أبواق المحور يشبه كلام محمد الحسيني، والشيخ نعيم قاسم أستاذ السياسة». كان المقال صريحًا، لأن الخطر صار وجوديًا، لا يقتصر على الخطاب بل يمتد إلى مصير طائفة بكاملها.
وحين صمتت أبواق محور المقاومة فجأة عن ترداد “بكرا الحرب”، وجدت إسرائيل نفسها بفراغ اعلامي، لأن من كان يضغط على اللبنانيين بدلًا منها قد سكت. فاضطر قادتها، من رئيس الحكومة إلى وزير الدفاع، إلى تبنّي العبارة نفسها التي كانت تُقال من داخل لبنان خاصة من اعلام المقاومة نفسه، “بكرا الحرب.”
لذلك عندما تسمعون قيادة الكيان الاسرائيلي يرددون ويهددون “يوميا ببكرا الحرب” تذكروا ما كانت تقوله الابواق.
بل حتى واشنطن نفسها التي كانت مستفيدة من مقولة الابواق “بكرا الحرب” وجدت نفسها تخسر نصف اوراق ضغطها، حيث كان هذا الاعلام وهذه الابواق يقدمون لها خدمات مجانية تساعدها بالضغط والتهويل على الدولة والشعب اللبناني، لذلك بعد ان صمتت هذه الابواق اضطرت للتدخل مباشرة، وعبر نواب الكونغرس والمبعوث الامريكي باراك لتهديد لبنان “ببكرا الحرب”، لذلك لا تستغربون من سماع نفس العبارات التي كان يرددها الابواق انما باللغة الانجليزية.
لكن، لا حرب بكرا، ولا بعد بكرا.
فقد قلتها في الثالث عشر من أيلول 2025: لا حرب على لبنان قبل منتصف عام 2026، إلا إذا تعثّرت الحلول الكبرى.
وأكرر اليوم ما قلته بالأمس:
الخطر الحقيقي ليس في الحرب، بل في الإعلام الذي يُعيد صياغة الخوف كل صباح، ويجعلنا ننتظر الحرب وهذا الانتظار اصعب من الحرب نفسها.
إنّ ما تحتاجه الطائفة الشيعية اليوم، وما يحتاجه لبنان بأسره، ليس بهورات الحرب، بل إرادة الحياة.
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.