اخبار ومتفرقات

نحن مجتمع نحبّ الاحتفال…

نبحث عن أي مناسبة لنتمسّك منها بخيط أمل، حتى لو كانت المناسبة شكلية أو بعيدة عن واقعنا القاتم. فالتاريخ يذكّرنا بوقائع، فنحوّل الذكرى إلى وهم انفراج، لعلّنا نتنفس لحظةً وسط هذا الانهيار الشامل.

وفي خضمّ الانهيار السياسي والاجتماعي والصحي والاقتصادي، تجد اللبناني يحتفل بعيد الاستقلال… بينما وطنه لا يملك قرارًا واحدًا مستقلًا يتّخذه لنفسه.

لكن إن نظرنا حولنا: كم من دول العالم اليوم تمتلك قرارها فعلًا؟ كم منها ليست مرهونة لترسانات أجنبية ترسو عند شواطئها لتضمن “حسن السلوك”؟ فكيف بلبنان، ذلك الوطن الصغير الذي بالكاد يُرى على خارطة المنطقة، فكيف على خارطة العالم؟

ومع ذلك… يبقى لبنان بلدًا جبارًا بشعبه.

شعبٌ يولد من الأزمات، ويستمدّ قوته من ضعفه. فمنذ وُجد هذا الوطن، وهو يعيش الحروب والنزاعات دون توقف. ومع ذلك، في كل مناسبة، يتمسّك اللبناني بصورة مشرقة عن وطنه، يحتفل ليقول: نحن شعب يستحق الحياة.

 

ولكن…

 

ماذا لو لم يحصل لبنان على استقلاله من فرنسا؟ ماذا لو كان الاحتلال ما يزال قائمًا بشكل علني؟

مجرد فرضية، لكنّها تستحق التفكير:

 

كان الاحتلال سيسيطر على المؤسسات… لكنه على الأقل كان سينظّمها.

كان سيصادر خيرات البلد… لكنه سيُشغّل أبناءه لحماية مصالحه.

كان البلد أنظف، والقانون مطبّقًا، لا حبًا بنا بل حرصًا على مصالحه.

التعيينات كانت ستُحسم بقرار معروف بدل هذا المجهول الفوضوي.

كان سيضطر لتعيين نساء في القرار حفظًا لصورته الدولية.

وكان اللبناني في قلب الشينغن، لا واقفًا على أبواب السفارات!

وكانت الفقيرة لا تغامر بقارب موت، ولا يُقتل النساء باسم الشرف، ولا تُترك الحدود مشرّعة بلا سيادة.

 

أنا لا أقول إن الاحتلال خيرٌ من الاستقلال، ولكن…

 

ما قيمة الاستقلال في ظلّ سلطة تمدّد لنفسها، وتخالف الدستور، وتلوّح بالحرب عند كل استحقاق؟

ما قيمته في عهد ضيّع الفرص وعمّق الأزمات وشرّد الناس؟

ما قيمته في دولة تُعاد فيها تشكيل الحكومات بالوجوه نفسها، كأنها ملكية خاصة وليست دولة شعب؟

ما قيمة الاستقلال في سلطة ترى المرأة “زينة المجتمع” لا شريكته، وتحتجز نصف الشعب في الفقر، وتحصر المواطن في خانة طائفته؟

سلطة تُهدَّد بالحرب وتُستعمل في الصراعات الإقليمية، ولا تحمي نفسها ولا حدودها.

 

ومع ذلك…

نحتفل.

نحتفل لأن الاحتفال هو آخر ما تبقّى لنا من شعور بالانتماء.

في عيد الاستقلال، أتمنى أن يأتي يوم نحتفل فيه باستقلالٍ حقيقي، لا استقلالٍ على الورق.

استقلال يكون له معنى… ويستحق أن نحتفل به.

خلود وتار قاسم 

22/11/2025

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى