اخبار ومتفرقات

حزب الله ما عرف، وصورة الشهيد الطبطبائي تثير التفاعلات

في الثامن من تشرين الثاني 2025، نشر الدكتور أسعد أبو خليل مقالاً في صحيفة “الأخبار” تحت عنوان “حرب الإسناد: اغتيال نصرالله”، جاء في احدى فقراته وهو الاستنتاج الاهم ” شخص نصرالله ليس كغيره في تاريخ الحزب، أو تاريخ الأحزاب. هناك قادة أحزاب يصبحون أكبر من أحزابهم وحركاتهم وتنظيماتهم. هو أصبح شخصيّة عربيّة وإسلاميّة قبل الحرب في سوريا. الحرب في سوريا (عن حقّ أو عن خطأ، لا فرق) غيّرت صورته وقوّضت زعامته، والحزب ما عرفَ أن يتعامل مع حمْلة التحريض المذهبي والطائفي التي استهدفته. وخطابه في التدخّل في سوريا والتدخّل في لبنان بعد سقوط النظام أمعن في إسباغ الصفة الطائفيّة المذهبيّة عليه، وبخاصّة بعد أن ترك الحليف الماروني الأمين، التيار الوطني الحرّ، يهجره.”

هذا الاستنتاج الذي وصل إليه اليوم، كنت قد سطرته قبل ثلاثة عشر عاماً، وتحديداً في 5 كانون الثاني 2012، في مقال بعنوان: “هل يسقط حزب الله مع وتيرة الارتفاعات الجيوسياسية بالمتغيرات السورية؟”. يومها، حذرت بوضوح من أن تكلفة الدخول في الحرب السورية ستكون باهظة مستقبلاً، وستؤدي إلى تقويض صورة وقيادة وزعامة السيد نصرالله وعزل الطائفة واتساع رقعة التحريض عليها وضدها وسيكون المشهد كارثي.

من الجيد أن يأتي التأكيد على دقة ما كتبناه بعد 13 عاماً، ولكن الجوهر يكمن في تحديد المسؤولية بالختام والتاريخ لا يرحم هناك من ستوجه اليه اصابع الاتهام بسبب الكارثة التي وصل اليها الشيعة. يقول الدكتور أبو خليل إن “الحزب ما عرف أن يتعامل مع حملة التحريض”، وهنا نقطة الخلاف الجوهرية. أنا أقول: إن المقاومة، تلك الكوكبة من الشهداء والجرحى، قدمت أرواحها ودماءها وما تملك، ولا يُعقل أن تكون هي “ما عرفت”. الذي “لم يعرف” كيف يتعامل مع التحريض، والذي فشل فشلاً ذريعاً، هو الإعلام والساسة؛ أولئك الذين قبضوا الأموال والموازنات الضخمة لصناعة رأي عام والدفاع عن صورة المقاومة، لكنهم بدلاً من ذلك ساهموا في تعميق العزلة والتحريض.

لقد بدأت معركتي مع ما يسمى “إعلام محور المقاومة” منذ عام 2012، وتحديداً حين كتبت مقال “الميادين بين الواقع والواقف والراكع”. كنت أدرك حينها أن هذا الإعلام، بآلياته وعقليته، سيقود الطائفة الشيعية إلى كارثة. واليوم، ونحن نرى الشيعة مكروهين حتى في دول كانت محايدة كسويسرا والسويد، ندرك أن السبب ليس في سلوك الأفراد، بل في “النموذج” الذي صدره هذا الإعلام للعالم.

لقد وقع إعلامنا في فخ “الغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة”. نسي الغراب مشيته الأصلية ولم يتقن مشية الحمام، فصار أعرجاً ومشوهاً. نحن لسنا غرباناً، لكننا استوردنا غرباء ليديروا المشهد الإعلامي والسياسي، فخسرنا هويتنا ولم نكسب العالم.

لقد تحول الإعلام من رسالة وعي إلى “وباء اللايكات” وهستيريا المشاهدات، وأصبح القائمون عليه يطبقون حرفياً قصة “العقاد وشكوكو”. حين سُئل العقاد عن شهرته مقارنة بالمونولوجيست “شكوكو”، قال بتهكم: “ليقف شكوكو على رصيف، ولتقف راقصة على الرصيف الآخر، ولننظر أين يتجمع الناس”. هذا بالضبط ما فعله إعلامنا؛ بدلاً من أن يقوده مفكرون وعقلاء (نموذج العقاد) لمواجهة مشاريع الهيمنة، تصدره “مهرجون” وأبواق (نموذج شكوكو والراقصة) بحثاً عن الحشد السهل، فكانت النتيجة ضياع الهيبة والمضمون.

ولعل “صورة الشهيد الطبطبائي” التي انتشرت مؤخراً هي النموذج الصارخ لوباء الشهرة الذي اصاب الغالبية.

نشرت إحدى الإعلاميات المحسوبات على المحور صورة للشهيد القائد طبطبائي، وهي صورة -بكل المعايير الإعلامية- لا تصلح للنشر. في العقل الجمعي، صورة القائد العسكري ترتبط بالهيبة، والقوة، والحزم، حتى الكيان الإسرائيلي حين نشر صورة الشهيد الطبطبائي اختار تلك التي تظهره بملامح صارمة وقوة بدنية عالية. لكن الصورة المسربة أظهرت الشهيد منهكاً، غارقاً في مقعده، وسنون التعب بادية عليه، وكأنه في جلسة خاصة جداً لا يجوز انتهاك خصوصيتها.

الأخطر من الجانب الجمالي هو الجانب الأمني والبروتوكولي حول الصورة والتعليقات عليها: كيف لقائد مستهدف في ذروة الحرب أن يظهر في مكان يبدو عاماً أو منزلياً مريحاً؟ ظهور شجرة الميلاد أو توقيت الصورة يطرح تساؤلات تاريخية وكارثية حول الحس الأمني: هل يعقل وجود هواتف في حضرة قائد بهذا الحجم؟ هل يعقل أن يقوم بزيارات اجتماعية وهو المطلوب الثاني عالميا؟

نحن في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث تمتلك شركات التكنولوجيا خوارزميات للتعرف على الوجوه وتحليل الخلفيات وربط البيانات بمجرد رفع الصورة إلى الهاتف. 

كما إن الخطأ الواحد في نشر صورة عفوية قد يدمر أسطورة، وقد يكشف شبكة أمان كاملة. ومع ذلك، يستمر هذا الإعلام في الاستهتار بمصير الطائفة والوطن مقابل “سبق صحفي” أو رغبة في الظهور.

بالختام: أنا، الذي لم أتقاضَ فلساً من هذا المحور، ولم تلمعني شاشاته، حتى لم ادعى الى مأدبة غداء، بينما سخرت علاقاتي الداخلية الدولية لخدمة طائفتي ووطني واهمها تكريس العيش المشترك، أقولها بمرارة: لقد خربتم الديار تحت شعار “كار مش كارك يخرب ديارك”. ونحن اليوم نواجه موتاً وجودياً، ليس بسبب قوة العدو فحسب، بل بسبب وباء الشهرة والغباء الإعلامي والسياسي الذي ينخر في جسدنا.

آن الأوان لمحاسبة هذا الإعلام قبل أن يكتب الفصل الأخير من مأساتنا ووجودنا.

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

 

زر الذهاب إلى الأعلى