
في مشهد يُعزز صورة طرابلس كعاصمة للتلاقي والعيش المشترك، شهدت المدينة يوماً طرابلسياً بامتياز، تكلل بجولة رفيعة المستوى لوفد من القيادات الروحية المسيحية في الشمال على مؤسسات “الكرامة”، حيث تلاحمت الرسالة الدينية مع الدور الاجتماعي والأكاديمي والاستشفائي الذي تضطلع به هذه المؤسسات العريقة.
ضم الوفد رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف يرافقه أمين السر الخوري جورج جريج والمونسنيور جوزيف غبش، ورئيس أساقفة طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين الكاثوليك المطران إدوار ضاهر، فيما حضر طيف الكنيسة الأرثوذكسية عبر الأب سمير جبرائيل ياكومي ممثلاً متروبوليت طرابلس والكورة وتوابعهما المطران افرام كيرياكوس. وقد عكست هذه الشخصيات الروحية الحرص العميق على التواصل الدائم مع كافة مكونات النسيج الطرابلسي.
المحطة الأولى حطت رحالها في حرم “جامعة المدينة”، هذا الصرح الأكاديمي الذي يشكل نبضاً حيوياً في قلب الفيحاء. كان في استقبال الوفد الروحي رئيس الجامعة الدكتور وليد داغر محاطاً بنخبة من عمداء الكليات ورؤساء الأقسام. استهل اللقاء بكلمة ترحيبية من رئيس الجامعة، وضع فيها الأساقفة في صورة الرؤية الاستراتيجية للمؤسسة، شارحاً الأهداف التربوية التي تسعى الجامعة لتحقيقها لخدمة أبناء الشمال، ومستعرضاً مروحة النشاطات الثقافية والعلمية التي تحرص الجامعة على استمراريتها رغم التحديات.
وتعاقب عمداء الكليات على الحديث، مقدمين شروحات مستفيضة عن الاختصاصات المتاحة، وسلطوا الضوء على قصص نجاح مميزة لطلاب وخريجين تمكنوا من حجز أماكن ريادية لهم في سوق العمل، مما يعكس جودة التعليم ومواكبته لمتطلبات العصر.
من جهته، تفاعل المطران يوسف سويف مع الطروحات الأكاديمية، مشيداً بالدور التنويري الذي تلعبه جامعة المدينة، ليس فقط كمكان للتحصيل العلمي، بل كفضاء للحوار وبناء الإنسان. وقد طرح سويف أفكاراً بناءة لفتح آفاق التعاون المستقبلي بين الأبرشية والجامعة، مركزاً بشكل خاص على قطاعي السياحة والآداب، لما لطرابلس من مخزون ثقافي وتراثي يحتاج إلى تضافر الجهود الأكاديمية والروحية لإبرازه.
واختتمت المحطة الجامعية بجولة ميدانية واسعة شملت مختلف مباني الحرم الجامعي ومرافقه، حيث تعرّف الوفد عن كثب على البنية التحتية والتجهيزات المتطورة. ولم تقتصر الجولة على الحجر، بل لامست البشر، إذ حرص الوفد الروحي على التوقف للتحدث مع الطلاب في الباحات والممرات، في لفتة أبوية عفوية استمعوا خلالها إلى هواجس الشباب وطموحاتهم، مشجعين إياهم على التمسك بسلاح العلم كبوابة لمستقبل أفضل.
من الصرح الأكاديمي، انتقل الوفد لمعاينة الواقع الصحي والإنساني في “المستشفى الإسلامي الخيري” و”مستوصف الكرامة”، وهما المؤسستان اللتان تشكلان مظلة أمان صحي لأبناء الشمال. في هذه المحطة، كان اللقاء موسعاً ومثمراً مع إدارة المستشفى، حيث استقبل الوفدَ رئيسُ مجلس الإدارة الأستاذ كميل قصير، ومدير المستشفى الأستاذ عزام أسوم ورؤساء الأقسام.
دار نقاش مستفيض بين الوفد الروحي وإدارة المستشفى، حيث قدم قصير شرحاً وافياً عن استراتيجية مجلس الإدارة في الحفاظ على ديمومة العمل وتطوير الخدمات رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، مؤكداً على الرسالة الخيرية للمستشفى. بدوره، وضع أسوم الزوار في صورة التفاصيل التشغيلية واليومية، وحجم الجهود التي يبذلها الطاقم الطبي والتمريض لضمان تقديم أفضل رعاية ممكنة للمرضى. وعقب الاجتماع، جال الجميع في أقسام المستشفى والمستوصف، حيث عاين الأساقفة التجهيزات الحديثة وسير العمل في الأقسام المختلفة، مبدين تقديرهم العالي للتكامل بين الإدارة الحكيمة والرسالة الإنسانية السامية التي تخدم جميع المواطنين دون تفرقة.
اختتمت الجولة بزيارة الى دارة رئيس تيار الكرامة النائب فيصل كرامي، الذي أولم على شرف الوفد الروحي الكبير.
اللقاء لدى كرامي لم يكن بروتوكولياً فحسب، بل كان تأكيداً على عمق الروابط التاريخية التي تجمع آل كرامي بالمرجعيات الروحية في المدينة. وقد رحب كرامي بكلمة نابعة من القلب، شكر فيها السادة الأساقفة والوفد المرافق على زيارتهم التي بثت روح الأمل، مؤكداً أن طرابلس ستبقى بفضل وعي قياداتها وتماسك مؤسساتها عصية على الانكسار، ونموذجاً مشرقاً للعيش الواحد في لبنان.
شكلت هذه الجولة بمحطاتها الثلاث، التربوية والصحية والسياسية، لوحة متكاملة تؤكد أن طرابلس بخير، وأن مؤسسات “الكرامة للعمل الخيري” بشقيها العلمي والإنساني تمد يدها دائماً للتعاون مع الجميع لما فيه خير المدينة والوطن.