
بقلم: لبنى عويضة…
خاص: جريدة الرقيب الالكترونية
على وقع الحرب والفوضى والتفلت والانهيارات المتلاحقة، تصدّر لبنان في الأمس القريب الأخبار العالمية كبلد أنهكته الأزمات وأثقلته التحولات وابتلعته العناوين القاتمة، حتى كاد اسمه يقترن بالألم أكثر مما يقترن بالرسالة والحضور والأمان. لكن اليوم، تتبدّل الصورة وتبتسم، إذ يعود لبنان إلى الواجهة من بوابة مختلفة تمامًا، بوّابة الضوء… وبداية الفرح.
زيارة الحبر الأعظم، قداسة البابا لاوون الرابع عشر، إلى بيروت قلبت المشهد رأسًا على عقب. فهي ليست محطة روحية عابرة ولا زيارة بروتوكولية، بل لحظة استثنائية يعيد فيها العالم اكتشاف هذا الوطن الذي رفض أن ينطفئ رغم كل ما مرّ عليه. لبنان الذي أمضى سنوات في خانة الأخبار الحربية يعود اليوم كأرض استقبال ورجاء، كأنه يهمس للعالم: “كل يوم في أمل”، مؤكدًا مرة بعد مرة أنه طائر الفينيق الذي ينهض من تحت الركام مهما اشتدّت الصعوبات.
ولا تقف رمزية الزيارة عند حدود البعد الروحي، بل تتعدّاها لتصبح تجسيدًا لوحدة العيش المشترك في بلد يشكّل فسيفساء غنية من الطوائف والأديان، ورغم ذلك، واجه ما لا يُعد ولا يُحصى من التحديات. إنها دعوة صامتة للعالم بأن لبنان حاضر، وحيّ، وقادر على الإمساك بخيط التوازن بين الهشاشة والقوة، بين المأساة والرجاء.
في العمق، تأتي زيارة البابا كـ مرآة للبنان الحقيقي، أي وطن لم تُمحَ صورته بفعل الألم، بل صقلته التجارب وعمّدت روحه بقيم إنسانية وروحية نادرة. هو ليس مشهدًا عابرًا على صفحات الأخبار، بل تجربة تقول لكل من يراقبه إن لبنان بلد يستحق الحياة، بلد يمكن أن يزهر حتى بعد السقوط.
وفي لحظة كهذه، يشعر اللبناني—ربما للمرة الأولى منذ زمن طويل—بأنه مرئي، مسموع، ومقدَّر. بأن العالم لا يقرأ أزماته فقط، بل يعترف أيضًا بجماله وقدرته على الصمود. زيارة البابا هي إشعاع رمزي يضيء بيروت وكل لبنان، ويعيد رسم موقع هذا الوطن على خارطة الإنسانية، مانحًا إياه صورته الأصيلة: وطن الحياة… لا وطن الحرب.
وفي خضم كل هذا الضجيج والعناوين، يبقى قلب لبنان نابضًا بالحياة. فزيارة البابا ليست حدثًا عابرًا، بل وشاحًا من الضوء يلامس الروح اللبنانية، يذكّرها بأن الفرح ممكن رغم جراح الماضي، وأن الأمل حاضر حيث يحضر الحب والسلام. لحظة تعانق كل لبناني على اختلاف مكوّناته، لتقول بصمت: لبنان حيّ… قادر على النهوض… وقادر على أن يحيا بكرامة وإيمان.