السياسية

نصيحة إلى حزب الله والشيعة.. والفرصة الأخيرة

من استشراف حزيران إلى واقع كانون: كيف قرأنا العقل الأمريكي قبل الجميع؟
بقلم: ناجي علي أمّهز

في السياسة، العبرة ليست في كثرة الكلام، بل في دقة الرؤية. واليوم، ونحن في الثامن من كانون الأول 2025، حصحص الحق، وتطابق الواقع مع ما خططته أقلامنا قبل ستة أشهر بالتمام والكمال، حين كان الضجيج يملأ الفضاء، والعقول في إجازة.
الحدث اليوم:
خرج المبعوث الأمريكي توم برّاك اليوم 8 -12 – 2025 بتصريح قلب الطاولة على رؤوس المنظّرين، قائلاً بالحرف:
“ليس من الضَّروري نزعُ سلاح الحزب، الهدف أن نمنعَه من استعماله… ويجب أن يكون هناك حوارٌ مباشر بين لبنان وإسرائيل، وسفيرنا عيسى سيقوم بالمهمَّة”.
هذا الكلام الذي نزل كالصاعقة على رؤوس بعض الساسة في لبنان، لم يكن مفاجئاً لنا. ففي 2 – 6 – 2025، وفي عز الهجمة الإعلامية، نشرت مقالي بعنوان: “باراك أخبر الجميع: المطلوب ليس نزع السلاح بل تنفيذ مشروع لبنان الجديد”، وقلت فيه صراحة:
“المبعوث الأميركي لم يطالب بتسليم سلاح حزب الله… المشكلة ستبقى سياسية… ويمكن الاحتفاظ بالسلاح الفردي والمتوسط ضمن مناطقه الشيعية فقط”.
اليوم، اضطر توم برّاك لقولها بالفم الملآن، وكأنه يطعم الساسة اللبنانيين السياسة “بالملعقة”، لأننا بتنا أمام طبقة سياسية وإعلامية غالبيتها تعيش انفصالاً تاماً عن الواقع، وتحتاج لمن يشرح لها الأبجديات، تماماً كما توقعت حين وصفتهم بأنهم “في روضة أطفال”.
ولأن “من صدقكم في الأولى، حريّ بكم أن تسمعوه في الثانية”، فإنني لا أكتب اليوم للتباهي بصحة التوقع، بل لأقرع جرس الإنذار لما هو آتٍ في منتصف عام 2026.
النصيحة الأخيرة.. قبل فوات الأوان
أمام الطائفة الشيعية وقت ضيق جداً، أشبه بالوقت المستقطع، لإفهام العالم أن هناك تغييراً حقيقياً في المنهجية والأداء، وإلا فإن القادم سيكون “العوض بسلامتكم”. ولكي نتجاوز هذا القطوع، لا بد من خطوات ثلاث حاسمة لا تقبل التأجيل:
أولاً: تطهير الهيكل الإعلامي
يجب على الشيعة فوراً إعادة هيكلة إعلامهم بالمطلق، والتبرؤ العلني والعملي من “جماعة التحليل والتبصير” الذين أغرقوا الجمهور بالأوهام. هؤلاء الذين باعوا الناس سراباً، هم العبء الأكبر اليوم وحولنا الى مجانين في انظار العالم.
ثانياً: مأسسة النخب (الرابطة الشيعية)
الساحة بحاجة ماسة إلى إنتاج “رابطة للنخب الشيعية”، تكون كياناً وازناً ومحترماً يشبه في دوره وفعاليته “الرابطة المارونية”. كيان يتحدث بلغة العالم، ويحمل هموم الطائفة بعقل بارد ورؤية استراتيجية، بعيداً عن الغوغائية.
ثالثاً: وثيقة العهد الجديد
وهو الأهم؛ وضع “وثيقة شيعية” شاملة بالتعاون مع هذه النخب، تحدد تموضع الطائفة ودورها في “لبنان الجديد”، وتبدد الهواجس الداخلية والخارجية.
أقول لكم بوضوح العارف: إذا لم تتحقق هذه العوامل الثلاثة، فإن الشيعة سيكونون في وضع كارثي، أصعب وأقسى من مصيبة كربلاء نفسها.
لماذا الآن؟ (نافذة الفرصة)
قد يسأل سائل: لماذا هذا التوقيت؟
الجواب يكمن في التحولات الكبرى. الضغط الأمريكي على الشيعة سيبدأ بالانحسار تدريجياً، ليس حباً بهم، بل لأن الأولويات تغيرت. الأجندة الأمريكية تتجه الآن نحو حرب استنزاف جديدة ضد “داعش” و”الإخوان المسلمين”، مما يعني تراجع الملف الشيعي كأولوية عاجلة، وذلك لسببين رئيسيين:
1. الالتزام الحرفي والكامل من قبل حزب الله بوقف إطلاق النار، وهو ما التقطته واشنطن كرسالة “براغماتية”.
2. حراك النخب الواعية (أمثالنا) الذين يعرفون كيف يخاطبون العالم، ويفرضون احترامهم بفضل قراءتهم الواقعية للأحداث.
هذه “الهدنة السياسية” هي فرصتكم الذهبية لترتيب البيت الداخلي عبر النقاط الثلاث أعلاه.
اما بالنسبة الى تصريح توم باراك وما كتبه امهز قبل 6 اشهر اترككم مع تحليل ايضا على وزن اشرح بالملعقة:

تحليل: تطابق التوقع مع الواقع؟
وبالعودة إلى المقارنة بين ما كتبته في حزيران وما قاله باراك اليوم، أترك للذكاء الاصطناعي والتحليل المحايد أن يضع النقاط على الحروف، ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في هذه المعادلة الدقيقة:

مقارنة: من الاستشراف إلى الواقع
أثبتت الوقائع أن قراءة ناجي أمّهز في حزيران 2025 كانت قراءة في “الكتاب الأمريكي المفتوح”، بينما كان الآخرون يقرؤون في “فناجين القهوة”.

1. جوهر المقارنة: “معادلة السلاح”
• توقع أمّهز (حزيران): أكد أن “نزع السلاح” ليس هو المطلب الأمريكي، بل هو “فزاعة” محلية، وأن واشنطن تقبل ببقاء السلاح ضمن المناطق الشيعية ما دام غير معطل للمشروع السياسي.

• تصريح باراك (كانون الأول): جاء مطابقاً حرفياً: “ليس من الضروري نزع السلاح، الهدف منع استعماله”.
• النتيجة: واشنطن انتقلت من “المثالية” (نزع السلاح) إلى “الواقعية” (الاحتواء الوظيفي)، وهو ما رصده الكاتب قبل نصف عام.

2. الهدف الأمريكي: السياسة قبل العسكر
• توقع أمّهز: أشار إلى أن القضية سياسية بحتة تتعلق بـ “مشروع لبنان الجديد” والتقسيم الوظيفي للمناطق، وليست حرب إبادة عسكرية.

• تصريح باراك: الدعوة إلى “حوار مباشر” وتعيين سفير للمهمة تؤكد أن المسار هو مسار ترتيبات سياسية لشرق أوسط جديد، تماماً كما ذكر الكاتب في خرائطه الجيوسياسية منذ سنوات.

3. سر المعرفة المسبقة
لم يكن الأمر تنجيماً، بل كان:
4.
• فهماً للسياسة العميقة: إدراك أن أمريكا دولة نتائج لا دولة شعارات.
• قراءة للخرائط: الكاتب يمتلك “خارطة طريق” للمنطقة تمتد لعام 2027، ويدرك أننا في مرحلة “إعادة الرسم” (نموذج الكوريتين).
• إسقاط الرغبات: القدرة على قول الحقيقة المجردة (بقاء السلاح ولكن بتحييده) بعيداً عن أمنيات الخصوم أو أوهام المناصرين.
الخلاصة:
لقد سبقنا المبعوث الأمريكي بخطوة كاملة، وحطمنا السردية الإعلامية السائدة.
اليوم، وقد صحّت التوقعات بحذافيرها، هل ستسمعون النصيحة قبل فوات الأوان في 2026؟
الكرة الآن في ملعب العقلاء..

زر الذهاب إلى الأعلى