السياسية

إلى الشيعة: انتم لبنان استفيقوا… قبل أن تستيقظوا على الكارثة

بقلم: ناجي علي أمهز

في لحظات الغفلة الكبرى، حين يختلط صراخ الشارع بضجيج الشاشات، يتهيأ للبعض أنّ التاريخ يُدار بالعنتريات، وأن الأوطان تُحمى بالنبرة العالية.

يا أحبتي، السياسة ليست حفلة صخب، ولا المسيرات التي تجتاح الأزقة بدراجاتها النارية هي ما يبني وطناً أو يحمي جماعة. لسنا أمام زعل عابر على “منصات التواصل”، بل أمام لعبة أمم تتقاطع فيها الأنظمة العميقة، حيث يتحوّل الهاتف المحمول – تلك اللعبة المضيئة بين الأيدي – من نافذةٍ على العالم إلى بابٍ خلفي يدخل منه العالم إليكم؛ تظنون أنّكم تمسكون به، والحقيقة أنّه يمسك بكم، يراقبكم الأعداء عبر كاميراتكم التي تعتقدون أنها تحميكم، بينما أنتم في مدينةً نائمة.

كم رغبتُ، لا لأجل الصراخ، بل لأجل الحقيقة، أن أهزَّكم قائلاً: استفيقوا من هذا الجنون، فالدول تُبنى على الفعل، لا بضجيج الشعارات. عائلة روكفلر قدّمت سبعين في المئة من ثروتها، وموسى مونتيفيوري – قبل قرنين – بذل كل ما يملك، ثروةً تعادل ميزانية دولة، ليؤمّن قطعة أرض في فلسطين، ولم يقف اليهود يومها ليعلّقوا على صدره الألقاب، ولم يجرؤ أحد على مناداته بـ”عميد إسرائيل” أو “مفكّرها” أو “مخلّصها”. أمّا نحن، ففي عالمنا العربي، يكفي أن يكتب الواحد جملة حماسية، بلا أثر ولا نتيجة، ليُرفَع فجأة رُتَباً: “عميد فلسطين، وزعيم فلسطين، ومحرّر فلسطين”… ألقابٌ تكبر فيما تنكمش الأرض، وكلماتٌ تتضخم فيما تغيب الأفعال.

نحن الشيعة لبنانيون، أنتم لبنان.

كل شخص، وخصوصاً هذا اليسار المريض الذي يصف لبنان بالمسخ، هو المسخ؛ فكل شجرة وكل حجرة وكل نسمة هواء لبنانية هي ملك للشيعة كما هي ملك لبقية اللبنانيين.

أما ما الفرق بين توم باراك والجولاني والبعثي والقومي والقومي العربي؟ جميعهم يريدون ضم لبنان إما إلى سوريا أو إلى الوحدة العربية، بينما “نحنا الشيعة ما بدنا غير الـ 10452”.

استيقظوا استيقظوا.

كونوا انتم الدولة، انتم الوطن.

قدمتم كل ما تملكون على درب القضايا العربية والاسلامية، لا احد يطالب الشيعة بالمزيد، يريدون شعارات نعطيهم اقوى واعظم الشعارات، لكن لم نعد مستعدين تقديم دمعة او قطرة عرق على جبين شيعي في سبيل هذه النظريات.

أمس، 7 – 12 – 2025 في طرابلس، مرّ أمام أعيننا مشهدٌ لم يكن استعراضاً… بل بروفة. من لا يرى أن نفوذ “الجولاني” هناك صار أوسع من ظلّ أكبر زعيم سني في لبنان، يخطئ قراءة الساعة، ومن يظن أنّ ما قاله توم باراك عن ضمّ لبنان لسوريا كان مجرّد فلتة لسان، فليتأمّل خرائط المصالح لا خرائط العواطف؛ في لحظة، قد يُصبح ثلث لبنان سورياً، لا كاحتمال سياسي، بل كواقع ديمغرافي يفرض نفسه. قبل أحد عشر عاماً كتبت عن خطر النزوح، وكنتَ تسأل: من أين يأتي هذا الازدهار الذي يحيط بالمحلات الصغيرة التي يديرها النازحون؟ والجواب لم يتغير: إنهم جزء من شبكة دعم تتجاوز حدود الدول، بينما أنتم تقفون عند باب المصرف مهرولين خلف معاشكم الذي تبعثره الأزمة.

هل تعتقدون أنه عندما تبدأ الحرب على الإخوان المسلمين والدواعش سيهاجرون إلى واشنطن أو إلى باريس والعواصم العربية؟ سيأتون إلى إمارتهم الجديدة التي أُعدت بإتقان لتكون بينكم أنتم، حيث ينقضون عليكم، ثم يأتي الأمريكي ومعه حلفاؤه تحت شعار محاربة الإرهاب، وبنظرهم جميعاً أن جميعكم إرهابيون، فيضربكم ويضربهم.

اتركوا الأمر للدولة وكونوا جنوداً خلف جنود الجيش اللبناني، لأنهم أنتم، هم أبناؤكم. دعوا الدولة تتحمل مسؤوليتها، حاكموها في البرلمان بالطرق الدستورية وعبر الفكر السياسي، ليس بواسطة لغة “المعلكين”.

فليكن فيكم ومنكم بل انتم الاهل، بعد ان قدمتم الامام الصدر والسيد نصرالله قرابين على محراب لبنان، ليخرج منكم شارل مالك جديد، وميشال شيحا اعظم، ومعلم كغسان التويني.

ليس الخطر على لبنان وعليكم فقط في احتفال للجولاني هنا أو هناك، بل في انشغالكم بخلافاتكم كلبنانيين، لاختلف انا وشريكي اللبناني على من يحب لبنان.

أنتم تقفون اليوم على ركام بيوتكم التي دمرت من اجل فلسطين والعرب والمسلمين، بينما غالبية هؤلاء ينبذونكم يحرضون عليكم ومنهم من يكفركم.

الفكرة السامة التي استوطنت عقول البعض فيكم انهم “مكلفون بإنقاذ الكوكب” يجب أن تُقتلع؛ لا ينقذ العالم شعبٌ يحتاج ان ينقذ نفسه.

والأرقام لا ترحم، ولا تعرف العصبية. إذا كنتم مليوناً ونصف المليون، فاعلموا أنّ أمامكم قرابة مليوني سوري، ومعظمهم قادر على حمل ما يلزم عند أول اهتزاز. لا تحتاج الشرارة إلى أكثر من كلمة طائشة، والكلمة في زمن الفوضى تصبح رصاصة. الحلّ، مهما كان مُرّاً، واحد: الدولة. هي المرجع الأخير حين تسقط الشعارات وينهار سوق المزايدات. طالبوا نوابكم بما تطالب به كل الطوائف نوابها: قوانين تنظّم الوجود الأجنبي، وخطة تُعيد النازحين إلى بلادهم. لا تؤجّروا محلاتكم وأرزاقكم لمن لا يحمل همّ وطنكم؛ فالحاجة اليوم لا تبرر التخلّي عن أمن أبنائكم غداً. كونوا انتم الدولة والقانون والدستور، لبنان بيتكم، حلم اجدادكم وقد نستيقظ ذات صباح على ذكرى… لا وطناً.

زر الذهاب إلى الأعلى