
نادراً إلى حدّ المستحيل ان يكتب كاتب او اديب او حتى شاعر زجل عن أم لا تحب طفلها.
كل أم مغرمة بإبنها وتفديه.
تقول الحكاية ما لم يقله أحد ويقول الراوي ما لم يروه احد ، يحكى أن أُمّا رمَت جثة ابنها أثناء الليل بين الاشجار في حرش لا يعبر فيه غير حيوانات ضارية .
في الأمر خروج عن القاعدة، في الحدث تحطيم لاي معادلة منطقية ، أصرّت الملائكة انّ الحادثة لا تحصل وللمرّة الوحيدة لم تعترض الأبالسة على سرّ موت إبن العشرين عاماً.
الأمّ التي حضنت طفلها و حمته برموش العين وسهرت عليه الليالي واشرفت على تربيته و دراسته واحتفلت بأعياد ميلاده ونَدرت للسماء وللمقدّس ان ينمو وان يعيش بصحة جيدة وبسلام جاء اليوم الذي حضرت إلى منزلها لتجده وقد شنق نفسه عند باب الدار.
ما الذي يدفع ابن العشرين عاماً ان يعلّق نفسه في الهواء؟
وحدها استطاعت و وحدها قادرة بين كل نساء العالم ان لا تصرخ وان لا تنتحب وان لا تولول بل انزلته بعد فك عقدة حلقة الحبل بهدوء و حاولت ان تحمله فلم تستطع وحاولت جرّه فلم تتمكن.
طرقت باب الجار وطلبت منه مساعدتها بحمله إلى سيارتها بحجة غيابه عن الوعي و انطلقت باتجاه قسم طوارىء أقرب مستشفى.
هكذا أخبرت الجيران وهكذا توجهت إلى حيث قررت بصمت وبهدوء.
وصلَت إلى غابة من أشجار قرب مَعبد على قمة تلّة تطلً على بحر وعلى خليج وعلى مراكب مهاجرة تبحث عن رغيف خبز عربي في بلاد الافرنج وعن بريق أمل باللون الارجواني في بلاد الإغريق حيث رمت ابنها المقتول وغادرت المكان.
لحق بها المكان وتمسكت بذيل ثوبها الاشجار وعربشت عليها العتمة لتبقى قرب ابنها عساه يستيقظ لأن الحدث مؤلم جدّا على قلب الطبيعة.
تقول الحكاية انها غادرت إنّما ظلّها لم يغادر المكان، بقي يحرس الجثة بين الأشجار.
يقول رجل يشكّ بكلّ الأمور من حوله حتى بنفسه ان احتمال قتل الام لإبنها وارد لأسباب تعرفها السماء وتجهلها الارض وتقول زوجته التي تشبهه بالطباع انّه لا بدّ من فحص DNA للإبن وللأم لأن الأمر يستحيل ان يُصدّق لربّما ليس ابنها او ليست أمّه.
تقول الأشجار في الحرش ان ظل الام مات قرب جثة الابن بعد فترة قصيرة من انطلاق سيارة والدته من الحزن والقهر.
كان المشهد قاتلا للفراشات والعصافير والزهور.
في التحقيق الجنائي برّرت الام بطولتها الغريبة و الخفيّة أنّها ما فعلت ما فعلته إلا لأن بلاغ بحث وتحرّي بحقّها أصدره القضاء بتهمة سرقة لتسدّ عوز و لتقضي حاجة.
يد مَن يجب أن تُقطع؟
تقول الرواية انّ جان فالجان لم يبكِ في قصة بؤساء الفرنسيين إنّما بكى مع بؤساء بلادنا.
نحن شعب ليس بخير بل نحن أناس لا شعب، نحن ضحايا لا شهداء، نحن تعساء لا أحياء.
مات ظلّ الام بين الأشجارقريباً من صليب كبير حزين وحكاية الأُم ما زالت على قيد السؤال لا على قيد الحياة.
د.احمد عياش
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.