السياسية

ترامب يناشد اللوبي اليهودي: لبنان مقابل الجولان

بقلم: ناجي علي أمهز

قال أنطون سعادة يوماً: “إن اقتتالنا على السماء أفقدنا الأرض من تحت أقدامنا”. واليوم، يبدو أننا نُعيد إنتاج المأساة ذاتها؛ فبينما نغرق في صراعات القشور، والمنافسات الصبيانية على المقاعد والمناصب، نكاد نفقد ما تبقى من لبنان. إن مأساتنا لا تكمن في قوة الآخرين فحسب، بل في وهننا الذي تجاوز كل الحدود.

في خضم هذا الضجيج، انشغل اللبنانيون بظواهر عبثية كـ “أبو عمر السنكري”، وهي في حقيقتها ليست مجرد فضيحة عابرة، بل مرآة عكست ضحالة الفكر السياسي وفقر الطموح الوطني. لقد تحولت حكمة “كما تكونوا يُولّى عليكم” من وعظ أخلاقي إلى توصيف إحصائي دقيق لواقعنا، حيث صار المال معبوداً، والمقعد النيابي سلعة، والوزارة صفقة، والوطن مجرد تفصيل ثانوي في دفتر حسابات السماسرة.

إن لبنان ليس مجرد مساحة جغرافية، بل هو “قطعة من الجنة” بمياهه العذبة التي تُعد الأكبر في العالم العربي، وبثروات غازه ونفطه واعتدال فصوله وتعدد طوائفه. لكن المأساة تكمن في أن هذا الجمال حوّله إلى مطمع دائم للغزاة، بينما استمر اللبنانيون في ممارسة هواية “تأجير الولاءات”؛ فالسنة رأوا في الخلافة العثمانية “أماً حنوناً”، والموارنة وجدوا في فرنسا الحماية والأمومة، والشيعة اتجهوا نحو إيران كمرجعية وسند وتحرير.. حتى صار الجميع يهتف باسم “أمه الحنون”، ويبقى “أب الطوائف” (لبنان) وحيداً وميُتّماً. ولم يكن ينقص هذا المشهد إلا دخول أمريكا لتلعب دور “الأم الحنون” الرابعة، ليكتمل “العقد الشرعي” للطوائف بتمكينها من “الزواج من أربع نسوة” على حساب كيان الوطن!

هذا الانقسام ليس غريباً على الروح العربية التقليدية، التي طالما تقلبت بين الولاءات منذ فجر التاريخ؛ من الأمويين إلى العباسيين وصولاً إلى العثمانيين ثم الانتدابين البريطاني والفرنسي. واليوم نرى أمريكا تتوجس خيفة من تحالف عربي محتمل مع إسرائيل يقلص نفوذها، فتحاول موازنة بقائها في منطقة لا تحتمل الفراغ.

في هذا التوقيت الحساس، تجد الإمبراطورية الأمريكية الفرصة سانحة لوضع اليد على لبنان، مستغلةً الانقسام القاتل وغياب الوعي. وبينما كانت آلات القتل تحصد الأرواح في غزة ولبنان، كانت سوريا تتشظى؛ من الساحل الذي طفت جثث أبنائه فوق المتوسط، إلى مناطق الدروز التي نُكبت وكادت تُباد. مشهد سريالي يغرق فيه الجميع بتساؤلات عقيمة: “أأنت إيراني أم أمريكي؟ كافر أم تكفيري؟”، كمن يبحث عن عود ثقاب ليحرق ما تبقى من خيمته.

على المقلب الآخر، كان العالم يخطط بدم بارد، واضعاً أمن إسرائيل كأولوية، وجني الأرباح من الدمار (في غزة ولبنان وسوريا) كاستراتيجية إعادة إعمار واستثمار في النفط. لقد صار الجولان أمراً واقعاً مع سعي لتفتيت المنطقة إلى دويلات طائفية، وفي لبنان يبرز مشروع ترامب كحل “ناعم”؛ منطقة عازلة مدنية-اقتصادية في الجنوب تضمن أمن إسرائيل وتغلف الاحتلال برداء التنمية.

لكن الأطماع الإسرائيلية تسعى لتحييد البشر لا السلاح فحسب. وهنا يبرز دور ترامب الذي خاطب اللوبي اليهودي بلغة الصفقات الكبرى، مذكراً إياهم بأنه “منح إسرائيل الجولان مجاناً”، وهو الذي يساوي تريليونات الدولارات، وكأن الرسالة الضمنية تقول: “لقد أعطيتكم الجولان هناك، فاتركوني آخذ لبنان هنا”.

إن مأساتنا الحقيقية لا تكمن فقط في ميزان السلاح الذي لا يقارن بالتطور العسكري والتكنولوجي عند الغرب، بل في “ميزان المعرفة”. لقد أثبت التاريخ –من هرتزل إلى فرويد وأينشتاين– أن الذين حكموا العالم لم يفعلو ذلك بالرصاص وحده، بل بالعقل والعلم والإدارة السياسية المتفوقة.

والدليل ان اليهود حكموا العقل العالمي بنظرية اينشتاين وسيكولوجية فرويد.

لا أعرف كم نحتاج من الوقت لنستيقظ من هذا السبات العميق. ما أعرفه فقط، أن الأمم لا تُهزم حين تُقهر في الميدان، بل حين تنام وتترك الغرباء يرسمون لها حدود الأحلام والكوابيس.

زر الذهاب إلى الأعلى