اخبار ومتفرقات

دولة داخل الدولة… ويعترض اللبناني على وجود دولة داخل الدولة!

دولة داخل الدولة… ويعترض اللبناني على وجود دولة داخل الدولة!

والمفارقة المؤلمة: ماذا كنتم تتوقّعون؟

حين تتخلّى الدولة عن أبسط واجباتها—الواجبات التي من المفترض أن تؤديها بلا منّة، وبلا تمييز، وبلا اصطفاف طائفي أو سياسي—وحين تفشل في أن تكون مظلّةً عادلة لجميع اللبنانيين واللبنانيات، عندها فقط يصبح الحديث عن “دولة داخل الدولة” نتيجةً لا مؤامرة، وعَرَضًا لا سببًا.

الدولة الحقيقية تُعطي الحقوق أولًا، ثم تفرض الواجبات. تُقيم النظام بعدل، ثم تُحاسب الخارجين عليه.

أمّا حين تتحوّل الوزارات والمؤسسات العامة إلى حصص شخصية، ومكاسب طائفية، وجوائز ترضية للكتل النيابية ورجال الأعمال الذين أوصلوا الوزراء إلى مواقعهم، يصبح المواطن خارج هذه الطائفة أو تلك خارج حساب الدولة بالكامل.

فلا صحة، ولا شؤون اجتماعية، ولا تربية، ولا عدالة،ولا،ولا،ولا…..

وتُشرَّع الأبواب لكل من يريد الاستثمار في ضعفنا، ولكل من يريد أن يمدّ يده إلى مناطقنا وأوجاعنا.

وهكذا، وباسم الإهمال، وُلدت “الدول البديلة”.

على مدى عقود، ومنذ أن وُلدنا هذه الأرض الطيبة، انسحبت الدولة خطوةً خطوة من مسؤولياتها، فاضطر المواطن—مرغمًا لا مختارًا—أن يؤمّن حماية نفسه وعائلته: اجتماعيًا، صحيًا، أمنيًا، تربويًا.

ودخلنا في دوّامة أزمات وحروب: مع بعضنا، ومع الخارج، ومع الدولة الغائبة… ولم نخرج منها حتى اليوم.

أنا لا أُدين بقدر ما أُتابع صيرورة الأحداث التي أوصلتنا إلى هذا الدرك.

وكان لي الشرف أن تدعوني الصديقة داليا داغر للمشاركة ضمن فريق يتلقى الاتصالات مباشرة على شاشة التلفزيون دعمًا لعائلات محتاجة—عائلات تخلّت عنها الدولة، نعم تخلّت عنها لأنها ببساطة ليست على سلّم أولوياتها.

فاضطرت “دولة داليا” أن تتشكّل: مبادرة إنسانية عمرها أربعة عشر عامًا، جمعت فريقًا، ووضعت نظامًا، وتابعت الحالات واحدة واحدة، محاولةً إنقاذ الناس من مصيرهم المحتوم.

حالات تُدمِي القلب… لكنها ليست استثناءً.

هي موجودة في كل المناطق، في كل الأحياء، خلف الأبواب المغلقة، لعائلات مستورة لا تملك سوى رحمة الله، وكرامة الصمت، ومبادرات أشخاص يشبهون داليا.

وبمناسبة هذه الأعياد المجيدة، أتمنى—وأطالب—أن تستعيد الدولة دورها، وأن تمسك بزمام الأمور، وأن تقوم بواجباتها تجاه لبنان وشعبه بلا تمييز.

وحين تفعل ذلك، فقط حينها، يحقّ لها أن تُحاسب كل من حاول أو اضطر أن يأخذ مكانها.

أعياد مجيدة،

وسنة مباركة،

علّها تكون بداية عودة الدولة… لا كثرة الدويلات.

خلود وتار قاسم

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى