اخبار ومتفرقات

الأدوار المحروقة: لماذا تخلّى النظام العالمي عن الشيعة كما فعل مع الموارنة؟

في لعبة الأمم، لا توجد صداقات دائمة، بل هناك “أدوار” مرسومة بدقة. وحين يخرج اللاعب عن حدود النص، أو يفشل في إتقان دور “الحكيم” في إدارة القوة، يقرر المخرج العالمي سحب البساط من تحت قدميه. هذا ما حدث مع الدروز قديماً، وما جرى للموارنة لاحقاً، وهو المشهد ذاته الذي يعيش فصوله الشيعة اليوم.

من أسرار لبنان إلى إقصاء “التنوخيين”
تخبرنا الموسوعات الماسونية القديمة، ولا سيما موسوعة “ألبرت ماكي” (1873) وكتابات “ألبرت بايك” في (الأخلاق والعقيدة)، أن جذور بعض طقوس “درجة أمير لبنان” تعود إلى القرن الحادي عشر، حين التقى الصليبيون بسكان جبال لبنان، وتحديداً الدروز، فاستلهموا منهم أسراراً باطنية ورموزاً فروسية دُمجت في طقوس “فارس الفأس الملكي”.

تلك الحقبة شهدت صعود “الأمراء التنوخيين” كمؤسسين لأول كيان عسكري وسياسي لبناني متماسك. لقد كان للدروز دورٌ محوري كحراس للجبل والأسرار، لكن بمجرد أن بدأ هذا المكون في القرن السابع عشر بالخروج عن الدور المحدد له تاريخياً، بدأ قطار الإقصاء. وبحلول عام 1850، تم تحجيمهم حتى تحولوا من “قادة الكيان” إلى “قوة رابعة” في التوازنات اللبنانية.

الموارنة: “معلمو الشرق” الذين أضاعهم السلاح
بعد أفول الدور الدرزي، جاء عصر الموارنة. أرادهم النظام العالمي أن يكونوا مهد الحضارة والجسر الثقافي بين الشرق والغرب. سُخرت لهم الإرساليات، فصار الماروني هو المعلم والطبيب والمهندس الأول في العالم العربي. فُصّل لبنان على قياس طموحاتهم، ومنحوا مفاتيح “خزنة الشرق”؛ فكان اللبناني يدير 90% من سيولة المنطقة في أعظم طفرة نفطية بعد الخمسينيات، ونافس مسيحيي لبنان بمبدعيهم (فن موسيقى شعر رواية) دولاً كمصر تفوقهم عدداً بأربعين ضعفاً.
كما نافسوا اهم اللوبيات السياسية بالعالم، وثبتوا حضورهم الفكري والاعلامي والاقتصادي في العالم.
لكن الخطيئة الكبرى كانت حين أراد الموارنة الخروج عن دور “التنوير والمال” إلى دور “العسكر والسلاح”. هنا، قرر النظام العالمي بطشهم، وشُردوا في أصقاع الأرض، وخسروا “انفسهم” و “لبنانهم” الذي عرفوه بمجرد أن استبدلوا القلم بالبندقية.

الصعود الشيعي: من “محرومية الصدر” إلى “توازن الثورة”
مع بداية الانقسام الماروني والانهيار الماروني، برز المكون الشيعي عبر الإمام السيد موسى الصدر؛ الشخصية الكاريزمية التي جمعت المجد من أطرافه. احتضنه الموارنة، وأُسس للمحيط الشيعي “مجلس إسلامي أعلى” رغم معارضة بعض الجهات الإسلامية والإقطاع الشيعي واليسار والقوميين والاشتراكيين، الذين خشوا أن ينتزع التدين الشيعي الزخم الشعبي من أحزابهم.

ولأن “العالم العربي لم يكن مهيأً لقبول الشيعة” آنذاك، ولأن وجود قائد بمواصفات الصدر كان سيعجل بنهضة خارج السيطرة، تحالف الجميع على تغييبه فجأة كما ظهر فجأة. ومع ذلك، احتاج العالم إلى “توازن شيعي” لمواجهة تمدد التشدد الاسلامي والمال النفطي والنووي الباكستاني، فكانت الثورة في إيران عام 1979 هي “كفة الميزان” المطلوبة.

دفع العرب أثماناً باهظة لكسر هذا التوازن في حرب الثماني سنوات، التي كلفت بتقديرات اليوم (نسبة للتضخم) ما يقارب 5 تريليونات دولار، لكن الثورة نجحت في ايران، وانطلق شيعة لبنان، نحو ذروة القوة والسلطة.

عصر “القوة الفائضة” والفشل في الاختبار
منذ عام 2000، حقق الشيعة ما عجز عنه العرب؛ دحروا إسرائيل، ثم أسقطت أمريكا أعداءهم (صدام وطالبان) وتقدمت نحوهم بالاتفاق النووي، وسُمح لهم بإنشاء “هلال” يربط طهران ببيروت، وتدفقت عليهم الأسلحة والمليارات من كل حدب وصوب. لكن، هنا تكمن المأساة؛ فقد كشف “عصر التمكين” عن فشل مريع:
1. المادة: تبيّن لدوائر القرار أن الانغلاق الشيعي مستمر، وان “المال” عند الشيعة بات يتقدم على “العقل والفعل”، وظهر التنافس على السلطة والمحسوبيات، وعدم القدرة على التوازن السياسي، “الشيعة اعطوا دون حساب او محاسبة وهذا خطا قاتل في اليات الحكم”.
2. العقم السياسي والإعلامي: قدم الشيعة عبر إشهار أفكارهم السياسية -التي هي هجين متناقض بين الدين والفكر اليساري والقومي العربي- صورة “منفرة” منفصلة عن الواقع. انعدم التنافس والتنوع البناء، ولم يعد المشاهد يميز بين مقدم البرنامج وضيفه “الدائم”، كما بقاء السياسي في منصبه الدائم.
3. الاختراقات الأخلاقية: في تقييمات النظام العالمي، صُنّف المكون الشيعي مؤخراً بأنه بات مكشوفاً أمام الفساد الفاضح، وإغراءات المال والنساء، (ليس فقط في لبنان بل وفي العراق).
4. ومن هنا لا يمر عمل امني ضد الشيعة الا وتسارع اسرائيل لاظهار عنصر نساء الموساد فيه، لانها تريد ان تؤكد للعالم ان الشيعة هم هكذا غير مؤهلين لمنحهم ادوار في الشرق الاوسط.

الخاتمة: الاستيقاظ
اليوم، يبدو أن النظام العالمي قد استنفد حاجته من “الدور الشيعي” بصيغته الحالية. لقد أثبتنا للعالم أننا “غير مؤهلين” لنكون شركاء في السياسة الداخلية والدولية، مع ان الشيعة “قوة قتالية” مخلصين صادقين اشداء، لكن تحتاج ربما إلى سنوات كي تمتلك “الفكرة” والمشروع المتكامل للسلطة والحكم.

المشكلة ليست في تخلي العالم عنا، بل في أننا -ورغم التجارب المريرة للموارنة والدروز، وتجاربنا الأخيرة التي وضعت السكين على رقبة كل شيعي فينا حتى صار يكفي أن تضع إسرائيل شخصاً على قائمة الاستهداف ليصبح لبنان كله ضيقاً به- ما زلنا نقدم نفس النموذج المتناقض، ونمارس ذات الحراك العقيم.

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى