السمنة عند الأطفال باتت ظاهرة متزايدة عالمياً بشكل عام، وفي مجتمعاتنا العربية بشكل خاص، فلدينا بعض المعتقدات والموروثات القديمة التي تعطي انطباعا أن الطفل الممتلئ هو الأكثر صحة، وإذا كان الأطفال يعانون من بعض النحافة فهو دليل أن أمهم لا تهتم بهم بالشكل الكافي، وكم تحدثت الجدة عن أنها كانت تطعم «دبوس الفرخة والرز المعمر والبيض المقلي في السمن» لأطفالها منذ عمر شهور، و« كانوا مليانين كدا وصحتهم بسم الله ماشاء الله.. مش زي أطفال اليومين دول»!
وبما أن الوعي عند الأمهات أصبح في ازدياد بسبب الانفتاح العلمي والتكنولوجي، فقد اختفت الكثير من تلك المعتقدات، ولكننا لازالنا نعاني من بعض السلوكيات الخاطئة بسبب قلة الوعي، أو عدم وضع منظومة صحية وغذائية داخل الأسرة وداخل المدرسة تشجع الطفل علي اختيار أسلوب الحياة الصحي.
إذا كان أحد أبنائك يعاني من السمنة فلا تتعاملي مع المشكلة علي أنها مشكلة وزن، بل اجعلي هدفك هو تحسين صحة طفلك بشكل عام، حتي لا يكون عرضة لأمراض السمنة في عمر مبكر.
كوني قدوة :
إذا كنتِ تريدين أن يتبع ابنك نظاماً غذائياً معيناً، أو أن يعيش أسلوب الحياة الصحي، فينبغي أن تكوني أنتِ قدوة له، فليس من المنطقي أن نفرق بين أفراد الأسرة الواحدة، حتي لا نسبب ألماً نفسياً لدي الطفل السمين، لذلك حاولي وضع منظومة جيدة تصلح لأن يتبعها جميع أفراد الأسرة معاً، وتكون من باب القدوة والتشجيع والتحفيز، ولا تجعليها مؤقته، ولكن اجعليها أسلوب حياة دائم.
عادات صحية :
لا تقللي من أهمية زيادة الوعي عند طفلك، فزيادة وعي أطفالك عن أنواع الطعام والصحي وغير الصحي منها، وأهمية الرياضة ومفهوم السعرات الحرارية، هي مفاهيم مهمة لكي يتعرف الطفل علي أنماط الغذاء، والسلوكيات الصحية الصحيحة، فيسهل عليه الاعتياد عليها، لكن أحذري من المبالغة في حساب السعرات الحرارية، أو التركيز علي الشكل الخارجي لطفلك، حتي لا ينقلب عليكِ الأمر، فيصاب الطفل بعدم ثقة بالنفس أو اضطرابات غذائية مثل الأنوركسيا والبوليميا، التي يعاني منها كثيرون، وخصوصا في سن المراهقة.
لا تتخلي عن وجبة الإفطار يومياً، فإهمالها يؤدي إلي زيادة الوزن علي المدي الطويل، بعكس ما يعتقد البعض، لا تلجأي إيضاً لمكافأة الطفل بالطعام أو الحلوي، فإذا حقق طفلك شيئا لا تربطي نجاحه أو رضاكي عنه بالطعام، بل كافئيه برحلة أو نزهة إلي مكان يحبه، أو دعوة صديقه المقرب للمنزل وهكذا.
اهتمي بأن يحصل طفلك علي 8 أو 9 ساعات من النوم الهادئ يومياً، فقد أثبتت الدراسات أن قلة ساعات النوم تؤدي لزيادة الوزن.
من العادات الخاطئة المنتشرة عند الأمهات هي إصرار الأم علي أن ينهي الجميع طعامه كاملا. ورغم أن هذا قد يكون له بعض الإيجابيات، إلا أنه أيضا يشكل ضغطاً عصبياً علي الطفل بدون داعي، وقد يدفعه أحياناً لفقدان الشهية أو إدمان الطعام، والأصح أن تعطي لطفلك اختيارات صحية يختار فيما بينها، ثم تضعي له كمية مناسبة لسنه، وتشجعيه علي أن يأكل حتي يشعر بالشبع ولا يزيد عن ذلك.
من العادات الصحية الخاطئة التي تؤدي للسمنة هي أننا نأكل فقط وقتما نريد، والصواب أن يكون للطعام وقت محدد، فهناك وقت للإفطار ووقت لوجبة الغذاء ووقت للعشاء، ووجبتين صغيرتين «snack» بين الوجبات، ضعي قواعد للطعام والحلوي والأكل خارج المنزل، وثقي أنكِ بذلك تزرعين البذرة السليمة التي ستحصدين منها صحة أبنائك علي المدي البعيد.
الطعام والشراب :
من المهم أن تعودي طفلك منذ الصغر علي العادات الصحية السلمية، فلا يصح أن تقدمي له الأكل المشبع بالدهون بكميات كبيرة، وتشتري له الحلوي وتسمحين له بأن يأكل ما يريد، وتكثرين من الأكل خارج المنزل، ثم تتعجبين كيف يعاني ابنك من زيادة الوزن وصعوبة الحركة!
ابدأي فوراً في حملة تطهير لثلاجتك وخزانات المطبخ من كل الأطعمة غير الصحية، ولا تضعي أمامهم إلا الطعام الصحي كالبيض والحليب والبقوليات والخضروات والفواكة والكورن فليكس قليل السكريات والخبز الأسمر، امنعي تماماً الحلويات الجاهزة كالشيبسي والبونبوني والكيكات الجاهزة والبيبسي، قدمي لهم لكل شيء تمنعينه بديلاً، علي أن تسمحي أحيانا قليلة ببعض التجاوزات، حتي لا يشعروا بالحرمان مقارنة بأقرانهم، فبدلاً من البيبسي والعصائر الجاهزة المليئة بكميات ضخمة من السكر والمواد الحافظة والملونات, قدمي لهم المياة بشكل مستمر والعصائر الطبيعية الطازجة المعدة في المنزل، بدلا من الأيس كريم اصنعي معهم أيس كريم منزلي من الزبادي والفواكة وقليل من السكر وشرائح من الفراولة، ثم جمديها في القوالب الملونة فستكون بالنسبة لهم أحلي تحلية، بدلا من الشيبسي قدمي لهم الفشار المعد في الماكينة بدون زيت، فهو خيار صحي ومفيد بالفعل، حاولي تجنب المقليات بشكل عام ولا تلجأي لها أكثر من مرة أسبوعيا بحد أقصي، إذا كانوا يعشقون الأكل في المطاعم, فلماذا لا تقدمين لهم تلك الأكلات التي يحبونها معدة في المنزل بطريقة صحية قليلة الدهون؟ حاولي أن تقدمي لهم خمس حصص يومياً من الخضروات والفواكة الطازجة أو المجمدة، وثقي أنكِ يمكنك التلاعب في أصناف الطعام التي يحبونها في أسلوب طهوها وتقديمها بطريقة تحببهم فيها، وتشجعهم علي الاختيار بشكل أفضل، لا تكثري من شراء الجاتوة والحلوي الشرقية، بل اعدي حلوي صحية للأسرة بكاملها، مثل صينية القرع العسلي أو البطاطا المشوية أو الفواكة المجمدة، أو المهلبية المعدة بحليب نصف دسم وكمية أقل من السكر أو الفواكة المشوية أو المارشملوز قليل الدهون مع الشوكولاتة الداكنة وغيرها من الخيارت الصحية، وثقي أن تغييرات بسيطة كتلك ستجعل طفلك الذي يعاني من السمنة يفقد الكثير من الوزن الزائد بدون أن يضطر لاتباع نظام غذائي ممل، قد لا يناسب عمره.
نشاط الطفل :
- من المؤكد أن الوزن الزائد عبء يجعل طفلك قليل أو صعب الحركة، فلا مانع من أن تصحبيه هو وأبنائك الآخرين للمشي يومياً، بدون أن تشعريه أنه هو المستهدف في هذا الأمر، وكأن الأمر مجرد مصادفة أو عادة جديدة تريدين أن تطبقيها علي الأسرة بوجه عام، اشتركي له في رياضات تثير اهتمامه، ويستطيع البدء بها فعلا كي لا يشعر بالعجز ويفتر علي أسلوب الحياة الصحي الذي تحاولين تعويده عليه.
- اصعدي معه علي الدرج بدلاً من المصعد، وقولي له تعال لنتمشي لتأخذية في جولة مشي حول المنزل، الهدف هو أن تساعديه علي بذل المجهود بدون أن يشعر، لكي تتفادي شعور المقاومة وحالة الإنكار التي قد تصيبه.
- اتفقا معاً علي تقليل وقت مشاهدة التلفاز والجلوس علي الألعاب والإنترنت إلي 2 أو 3 ساعات يومياً، فكثرة الجلوس علي وسائل التكنولوجيا – كما تقول الأكاديمية الأمريكية لأطباء الأطفال – تشجع الطفل علي الأكل بدون أن يشعر، وتزيد من شعور الخمول والكسل لديه.
دور المجتمع :
القضاء علي ظاهرة السمنة لن يأتي بمجهوداتك وحدها، لذا حاولي أن تزيدي الوعي عند المحيطين، تحدثي مع إدارة المدرسة أو النادي لتقديم محاضرات توعية غذائية للأطفال والمراهقين في إجازة الصيف، كوني مجلس أباء وحاولي دفع المدرسة والنادي علي تقديم أطعمة صحية في كانتين المدرسة أو مطاعم النادي.. أو علي الأقل تقديم خيارات متعددة يستطيع الطفل اختيار الأفضل فيما بينها، شجعيهم علي الاهتمام بالنشاط الرياضي في المدرسة، وتنمية العادات الصحيحة، وزرع الثقة عند الأطفال، فطفل واثق من نفسه يستطيع أن يفعل أي شيء.
الجانب النفسي :
أخيراً وليس أخراً.. لا تهملي مطلقاً الجانب النفسي لطفلك، فأولي به أن يكون رجلا سميناً علي أن يكون رجلا متزعزع الثقة، ضعيف الإرادة، ذو صورة سلبية عن ذاته، لذلك أحرصي أنتِ ومن حوله جميعاً علي عدم السخرية منه، أو إشعاره أنه مختلف، أو احراجه بأي حال من الأحوال، فالهدف هنا هو مصلحة الطفل وليس انتقاده لمجرد الانتقاد، حاولي أن تدفعيه نحو الطريق بخطوات فعلية إيجابية مؤثرة، تغير من وضعه للأفضل، ولو كان التغيير بطيئاً بعض الشيء فلا مشكلة، كوني صريحة ومتفهمة، كوني مرنة، كوني قدوة، كوني دافعاً ومشجعاً وحافزاً، وأهم من هذا كله.. قدمي له الحب والحنان والتقبل غير المشروط بشكل أو سلوك، وثقي أنه سيسير علي الدرب إن عاجلاً أو أجلاً.