التطبيع من الخليج إلى المغرب.. ماله وما عليه
يوسف حسن – أصبحنا ندرك جيّدا أن الحكّام العرب – إلا ما رحم ربي – هم صنائع دول الغرب من أمريكا فما دونها، يأتمرون بأوامرها، ويقومون على خدمة مصالحها، على حساب مبادئ وحقوق شعوبهم، فما كان خافيا عنّا قديما انكشف ستره خلال خمسين عاما، ولم يعُد قابلا للإخفاء منذ بداية القرن الواحد والعشرين ميلادية، وما مُهّد له في كواليس السياسة الإقليمية، وقع تمريره خلال هذه السنوات بوقاحة متناهية، على أنّه عمل في صالح هذا الشعب أو ذاك، بما يعود عليهم بالخير الاقتصادي والمادي.
عقيدتنا ومحصّل قناعة شعوبنا على جميع مستوياتهم الفكرية، أنّ الكيان الصهيوني ليس عدوّا للشعب الفلسطيني باعتباره غاصبا لأرضه وحده، بل هو عدوّ للمسلمين جميعا، وأكثر من ذلك، أن هذا الكيان العنصري الغاصب، يُعتبر عدوّا للشعوب الحرّة الأبيّة، المنعتقة من نير الامبريالية الغربية، عقيدته بناها مؤسسوه على العنصرية والتعالي على بقية الاجناس البشرية، ومخطط وجودهم وتثبيتهم على ارض فلسطين لن يقف عندها، فقد كشف زعماؤهم عن خارطة إسرائيل الكبرى، وهي خارطة يسعون إلى تحقيقها – في ظل استخفاف وتكاسل عربي متواصل – بضمّ أجزاء من مصر غربا وأخرى من العراق شرقا ولبنان وأجزاء من سوريا شمالا وحتى المدينة المنوّرة جنوبا.
ومع ظهور هذه المخططات وانكشاف أفكارها الاستعمارية، بقي التطبيع مع هذا الكيان قائما على قدم وساق يستهوي نظاما عربيا بعد آخر، فينساق في مساره الخيانيّ عمدا، فلم يعُد هناك مجال للادّعاء، بأنّ ذلك جاء من باب الإشتباه أو الخطأ الغير متعمّد، بعد الذي ظهر من حقيقة الكيان الصهيوني، منذ أن أنشأته بريطانيا الاستعمارية، وقامت بدعمه على أرض فلسطين، وهي تعلم يقينا أن أساسه عنصري، ذو نزعة عدوانية متواصلة، منذ أن قام سنة 1948 إلى اليوم، ولن يتوقف قبل تحقيق جميع أهدافه، وبالتالي السيطرة على المنطقة بأسرها أراضي وشعوبا.
الأنظمة العربية التي انجرفت إلى تيّار التطبيع- بحسب المصالح التي وضعتها في حسابها – بعد أن افتتحه المقبور السادات ثم ملك الأردنّ، وقف وراءها حاكم الإمارات والسعودية ترغيبا وتشجيعا منهما، البحرين وعُمَان، ثم بعد ذلك والسودان والمغرب، وقد حاولوا اثناءها إسقاط سوريا، بمؤامرة ثورة الشعب السوري المسلحة لكنهم فشلوا، ومع ذلك فهؤلاء لهم نفس طويل، وأعتقد أنهم لن يستسلموا، لأنّ إسقاط سوريا وضمّها إلى مخطط التطبيع مع الكيان – وهي الدولة الممانعة المتبقية بعد انحراف مصر والأردن – ذات أهميّة استراتيجية بالغة مع المقاومة في لبنان، وهي الشريان الرئيسي الذي يمدّها بالأعتدة وغيرها، فإذا سقطت سوريا – وهذه أمنيات الغرب التي لا تزال بعيدة المنال – لا يكون ابتلاع لبنان بعد ذلك بالأمر العسير، حسب تقديرهم طبعا .
البلدان المطبعان أخيرا هما السودان أوّلا – وإن كنّا نرى أنّ للمغرب مجالا بقي مخفيا سابقا في تعامل نظامه مع الكيان الصهيوني منذ فترة حكم الحسن الثاني- كانت له دوافع مادّية استفاد منها حكامه، كما كانت حالهم عند تورّطهم في عدوان التحالف العربي على اليمن، والذي القى فيه النظام السوداني بثقل عساكره الى جانب السعودية – جيش نظامي أو عصابات محمد حمدان دقلو المعروف بحمديتي، متشطّر الحكم في السودان مع عبد الفتاح البرهان، وكلاهما متورطان في جرائم ارتكبتها عساكرهم في اليمن، هاذان القائدان العسكريان استدرجتهما الدنيا فسقطا في محظور غوايتها، وشاء ربّك أن ينقلبا على بعضهما البعض فيقتتلا في معارك اكتوى بها الشعب السوداني، لا ناقة له فيها ولا جمل.
انكشاف دوافع السودان إلى التطبيع بدت واضحة ووراءها الامارات والسعودية، لكن دوافع المغرب لها سبب آخر متعلّق بالصحراء الغربية المتنازع عليها لضمّها إليه منذ أن استقلت من اسبانيا في 27/2/1976 لتصبح الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وباعتبار أن ملفّ المغرب في هذا الشأن خاويٌ على عروشه، فقد استعمل جميع أساليب العمالة للغرب، لكي يرفع من سقف حظوظه في ضمّ الصحراء الغربية، المليئة بالفوسفاط واليورانيوم، ومعادن أخرى كالذهب والنفط والغاز، وقد بدا لملكه أنّ الدخول من بوابة التطبيع، لنوال حق ضمّ الصحراء الغربية إلى مملكته، سيفتح له مجال الرضا الأمريكي الصهيوني عليه، فيكونان سندا له في الإعتراف العالمي، بضمّ مساحة مقدّرة ب 266 ألف كلم2.
الحلم المغربي بقي بعيد المنال خصوصا وأن مقررات الأمم المتحدة في هذا المجال لا تزال تعمل في غير ما يصبو إليه فهي معدودة منطقة متنازع عليها سيطر عليها المغرب بنسبة 70% و30% المتبقية لدى جمهورية الصحراء الغربية، والأمم المتحدة لا تعترف باستيلاء المغرب على اغلب تلك المساحة، وتعبرها أرضا مستعمرة، وهذا ما يسعى المغرب لتغيير صفته، ومن بين أساليب سعيه اقدامه على التطبيع مع الكيان الغاصب، ودور الجزائر هنا في مساندة الشعب الصحراوي أساسي، لولا الجزائر الواقفة بحزم مع هذا الشعب المستضعف المظلوم، لابتلع المغرب جميع الصحراء.
تصرف المغرب بمحاولة استيلائه على الصحراء الغربية، يمكن أن نجد له مبرّرا لو أنه طالب حقيقة باستعادة مدينتي سبتة ومليلية، وليس مجرّد مطالبة صوريّة لا تقدّم شيئا، ولكن في حقيقة الأمر، فإنّ أغلب سكان هاتين المنطقتين، يرفضون الإنتقال إلى الحكم المغربي، لما فيه من انعدام حرّية، وتفشي سياسة الظلم والإستبداد، والإستئثار بمقدّرات الشعب المغربي، لفائدة الأسرة الحاكمة، ودائرتها التي تنفّذ أحكامها وتحكم سيطرتها.
محاولة ملك المغرب الأخيرة بالتطبيع مع إسرائيل، مردّها ضعف حظوظه في ضمّ الصحراء الى مملكته، واعتقاده بأنّه فعل خيرا من باب تزيين الشيطان له سوء عمله، وطالما أنّ على الأرض الصحراوية رجال يطالبون باستقلالهم، وخروج القوات العسكرية والأمنية والادارية المغربية من الراضي الصحراوية التي اجتاحتها في 6/11/1975، وهذا مأزق المغرب الذي لم يجد له الملك طريقا للخلاص منه بغير التطبيع، وهنا خطأه الفادح.