بقلم ناجي أمهز
هذا الكلام الذي أكتبه ليس سراً وإن لم يصل إلى العامة، ولكن كل ما أكتبه هو خلاصة نقاش طويل استمر لعدة أشهر مع العديد من الشخصيات من أجل فهم لماذا العالم يقاتل الإسلاميين بطريقة وحشية ودون هوادة.
اولا: نصيحتي إلى المقاومة (حماس): أنا الآن أخبركم ماذا تريد الولايات المتحدة الأمريكية:
نتنياهو أخبر أمريكا، أوروبا، وحلفائه العرب، والمخلوقات الفضائية أنه غير مستعد لوقف الحرب بل هو يريد ان يقتل بدل المائة ألف، ملايين العرب والمسلمين. وبذهابه إلى أمريكا، حصل على الغطاء والدعم الكامل من اللوبي الصهيوني، لذلك اغتيال الشهيد هنية في ايران والقائد السيد فؤاد شكر في الضاحية هو اعلان حرب على المحور باكمله، وهذا ما أعلنه ترامب عندما تحدث عن مساحة إسرائيل الصغيرة التي لم تعد تتسع لـ9 ملايين يهودي. بالمقابل، كل ما يريده الان الحزب الديمقراطي هو وقف إطلاق النار بأي صورة أو طريقة كانت، ونقل المعركة العسكرية من داخل غزة وجنوب لبنان وتحويلها إلى معركة سياسية في تل أبيب. وغاية الحزب الديمقراطي هي إخراج نتنياهو من دائرة صناعة القرار السياسي بأي ثمن، ومن بعدها الانتقال إلى مربع آخر. والذي فشل في اغتيال ترامب كان يقصد اغتيال نتنياهو، لذلك لا تضيعوا هذه الفرصة وهو العمل مع اي طرف وان كنتم غير متحالفون معه بل يكفي ان تتقاطعون معه على اخراج نتنياهو من الحكم، وأنتم أحرار.
وربما عندما قمتم بعملية طوفان الاقصى ودون معرفة او مراجعة او التباحث مع احد في العالم لضرروات العملية، لم يكن هناك توقع ان تستمر كل هذه الاشهر، والا في مثل هذا التوقيت لا احد يدخل بمعركة الا من يريد الانتحار، انه الوقت الضائع حيث امريكا في الانتخابات الرئاسية تصبح خارج الخدمة العالمية، والوحيد القادر على وقف نتنياهو اليوم هي امريكا، لذلك نتنياهو يريد ان يتسفيد من بقية الاشهار الى حين انتهاء المعركة الرئاسية الامريكية، بل يريد ان يكون الناخب الاول في امريكا.
كما ان اسباب فشل حركات الاسلامية الفلسطينية والاخوانية وحتى الوهابية السلفية والطلبانية والباكستانية، إن الإسلاميين في العالم العربي الذين يخوضون تجارب السياسة وصناعة الأحزاب والوصول إلى الحكم، يجدون أنفسهم يتصادمون مع عالم لا يشبه العالم الذي يطمحون إلى تحقيقه، بل مختلف ومستعد لمحاربتهم. وذلك بسبب اختلاف المفاهيم الأساسية في نشوء الأمم في ظل عالم متغير بسرعة مخيفة، إلى حد أن الدول التي تسيطر على القرار العالمي في السياسة والاقتصاد تجد نفسها عاجزة عن اللحاق بركب هذا التطور التكنولوجي المخيف للغاية.
إضافة إلى أمر بالغ الأهمية، فإن التيارات الإسلامية السياسية تولد وهي تريد إنهاء الرأسمالية، ونبذ الماركسية، والقضاء على العلمانية، ومحاربة الماسونية، ومعاداة الليبرالية، وتكفير المسيحيين والبوذيين، والقضاء على الفن من موسيقى وغناء ورقص لأنهم “حبائل الشيطان”.
وللأسف، اليوم الذين يحكمون العالم هم أصحاب هذه المفاهيم والأحزاب والتيارات الفكرية. الدولة الأقوى اليوم هي أمريكا، وهي دولة رأسمالية دستورها ماسوني وتعتنق العلمانية. يعني إذا جاءت دولة وقالت لها إنها مستعدة أن تعطيها برميل نفط مقابل القدس، وإذا كانت مصلحة أمريكا الاقتصادية أن تأخذ برميل النفط، فإنها لن تفكر للحظة بكل المفاهيم الدينية التي يمكن أن يسقط لأجلها الملايين في الشرق الأوسط.
وهنا بدل ان تكون حربنا مع الذي دفع لامريكا لمقاتلنا من اجل الحصول على النفط نذهب لمقاتلة امريكا مما يرهقنا وربما يحقق الابادة وبالختام ينتصر العقل السياسي الذي ورطنا بحرب مع امريكا، دون يخسر نقطة قوة واحدة من قوته.
التيارات الإسلامية تعيش الإسقاطات الفكرية. فالإسلامي يقول إن الإنجيل محرف بل من يقول ان الانجيل غير محرف فقد كفر بالله والاسلام، بالمقابل تجده يتحدث بآيات من الانجيل أمام المسيحي الذي يفاوضه، وينسى الإسلامي أن المسيحي يعرف مسبقاً أن المسلم يدهانه لانه لا يعترف بإنجيله.
كما أن الاقتصاد الأقوى اليوم عالمياً هو الصين، والصين ليست فقط بوذية بل أيضاً شيوعية، مما يعني أنها لا تلتقي أبداً مع التيارات الإسلامية. وحسب المفاهيم والتعاليم الإسلامية التي يعرفها الجميع دون استثناء، فإنه يجب على المسلمين تكفير البوذي وقتال الشيوعي. ويذهب إسلامي إلى الصين ويخطب بهم عن ماو تسي تونغ وماركس ولنين، معتقداً أن القادة الصينيين مجانين وأصحاب ذاكرة مثقوبة مثل ذاكرة العرب، وكأنهم نسوا أن الذين قاتلوا الشيوعية حتى انهارت هي التعاليم الإسلامية.
ومشكلة الإسلاميين أنهم ينظرون إلى العالم من منظورهم هم، يعني أحدهم يتخيل أن العالم ينظر إليه بهذه الطريقة فيتعامل مع العالم على هذا الأساس.
مثلاً الإسلامي يسعى بكل قوته ويستخدم كل قدراته للقضاء على خصومه بالداخل سياسياً، وعندما تسأله لماذا قمت بهذا العمل، يقول لك لأنه عندما تقوى شوكتهم ويتكاثرون فإنهم يشكلون خطراً على سياستنا ونفوذنا، ويقنعك أن هذا الأمر طبيعي جداً.
وعندما تقوم الدول بنفس الفعل ضد التيارات الإسلامية، يبدأ الإسلاميون بالحديث عن أن الدول تحاربهم. وهنا لا يسأل الإسلامي كيف يمكن أن تقبل به غالبية الدول وهو يحمل مشروعاً معاكساً لمشروعها.
كما أن ترفيع القيادات في التيارات الإسلامية لا يقوم على مبدأ التجربة والخلفية العقلية للشخص، بل يقوم على مبدأ ظهوره المتدين ومسارعته إلى الصلاة وكم هو لبق في الأحاديث الدينية. بمعنى أن الذي يحكم التيارات الإسلامية هي الخلفية الدينية، لذلك لن تجد دبلوماسياً أو سياسياً محنكاً في التيارات الإسلامية، وعند كل عقبة كبرى أو أزمة سياسية، تذهب التيارات الإسلامية وتستعين بدول أخرى للتفاوض عنها، وبما ان للدول مصالحها فانها تستغل ازمات وحاجات التيارات الاسلامية لتمرير مشاريعها وحصولها على مكتسبات مع الدول التي تفاوضها باسم الاسلاميين، لذلك بعد كل تفواض تتعقد ازمات التيارات الاسلامية اكثر وتصبح اكثر صعوبة وحرجا.
وهذا الأمر طبيعي جداً، فالإسلامي الذي يحفظ الأحاديث الدينية وشروط الصلاة والطهارة، وهذه العبادات حتماً تدخله الجنة، لكنها لا تدخله البيت الأبيض ليفاوض رئيس أمريكا.
وعندما يفشل الاسلامي في التفاوض أو توضيح وجهة نظره، يقيم الدنيا ولا يقعدها، ويعتبر أن الكفار لا تقبل بوجهة نظره السياسية. بينما الإسلامي عندما تكون لديه مشكلة قانونية في بلده او خارجها، فإنه يوكل محامياً ليترافع بها ويدافع عنه دون ان يتدخل بعمل المحامي بل ينفذ حرفيا ما يطلبه منه المحامي، ولا يجد حرجاً أن يقول أمام الجميع إنه لا يفهم بالقانون. ولكن نفس هذا الإسلامي السياسي، لو تدمرت البلاد وقتل العباد، غير مستعد للحظة أن يعترف بأنه لا يفهم بالسياسة، ولا يقبل أن يوكل أحداً عنه للتفاوض بالسياسة، بل تجده يرسل من ينفذ وينقل فقط رؤيته السياسية.
تجد الاسلامي عندما يستقبل سفيرة دولة اجنبية مطلوب منها ان تضع الحجاب على شعرها، ويحدثها عن الحرية وحقوق المراة في الاسلام ظنا منه ان هذه المراة ناقصة عقل ودين ولن تقول في عقلها اذا كان لا يقبل ان يستقبلني كما انا وانا سفيرة دولة امتلك بيدي السلم والحرب، فكيف سيفعل بنساء بلده عندما يتمكن من الحكم.
اخبرني احد الدبلوماسيين اللبنانيين ان هناك اسلامي اعتذر من دبلوماسية بسبب طلب لبس الحجاب وشرح لها انه من اجل الراي العام الاسلامي، ونسي هذا الاسلامي انه هي ايضا لديها راي عام في بلدها ووطنها حيث الحريات مقدسة.
تجد المفاوض الإسلامي يحمل أفكاره كلها ليقنع الآخر بها، بالمقابل لا يريد من الآخر أن يقنعه بفكرة واحدة من بين ألف فكرة.
الإسلام السياسي ينجح فقط في ظل دولة إسلامية تستلهم تشريعاتها وتطبق نظرتها الاقتصادية والاجتماعية على أساس ومفاهيم إسلامية.
أما خارج هذه الحدود، فيجب أن يمنع على أي صاحب عقل ديني إسلامي التفاوض، بل يجب إيجاد مجموعة سياسية لها تجربتها السياسية، وتشرح لها النقاط المطلوب الفوز بها، وتترك لها حرية العمل والحركة والحديث.