يعتقد بعض الآباء والأمهات أن تعليم القيم الأخلاقية السليمة أمر مستحيل، ويجدون أن إخبار الأطفال بأن يكونوا أكثر صدقاً أو اجتهاداً أو مراعاة للآخرين لا يُجدي نفعاً، ولكن إذا كان تعليم القيم أمراً مستحيلاً، ليس عدلاً أن تترك هذه المهمة، في السنوات الأخيرة، حاولت بعض المدارس إضافة التنمية الأخلاقية إلى مناهجها الدراسية. لكن المدارس تواجه صعوبة في تعليم الأطفال القيم لأنها تتدخل متأخرة للغاية، ناهيك عن كونها قد لا تعرف شيئاً عن حياة الطفل. والأسوأ من ذلك أنها غالباً ما تكون على خلاف مع ما يتعلمه الطفل في المنزل عن القيم. الحقيقة بالطبع هي أننا نعلم الأطفال القيم يومياً، وفي كل دقيقة من حياتهم. والسؤال ليس ما إذا كان ينبغي لنا أن نعلمهم القيم أم لا، بل ما الذي نعلمهم إياه، فما هي أفضل طرق لتربية الأطفال بأساليب إيجابية.. وجعلهم سعداء؟ هذا ما يدلك عليه الخبراء والمتخصصون.
كيف يتعلم الأطفال القيم ؟
القلق من رسائل وسائل الإعلام !
إن الطريقة التي يتعلم بها الأطفال القيم، ببساطة، هي من خلال ملاحظة ما تفعلينه أنت، واستخلاص استنتاجات حول ما تعتقدين أنه مهم في الحياة. وبغض النظر عما تعلمينهم إياه بوعي، فإن أطفالك سيخرجون من مرحلة الطفولة برؤية واضحة لما يقدره آباؤهم حقاً، وبنظام قيمي متطور خاص بهم.
وبالطبع، ليس الآباء هم المصدر الوحيد الذي يتعلم منه الأطفال القيم، ولا شك أن الأقران يؤثرون على أطفالك، وخاصة في مرحلة المراهقة. فمن الطبيعي أن يفكر الشباب بأنفسهم ويطورون نظرتهم الخاصة للعالم، ولكن الأبحاث تشير إلى أنه كلما كانت علاقتك بطفلك أقوى، كان عالمه ـ بما في ذلك آراء أقرانه ـ أكثر نقاءً من خلال القيم التي اكتسبها منك. ناهيك عن أنه إذا كان يتمتع الطفل بتقدير جيد لذاته وحياة منزلية دافئة، فإنه يكون أكثر ميلاً إلى اختيار الأصدقاء الأكثر انسجاماً مع قيمه.
القلق من رسائل وسائل الإعلام !
إن التلفاز معلم فعال. فبينما تحمل بعض البرامج التلفزيونية ـ وخاصة البرامج التلفزيونية العامة ـ العديد من الرسائل الاجتماعية الإيجابية للأطفال الصغار، فإن أغلب البرامج التلفزيونية ـ وخاصة البرامج التلفزيونية التجارية التي تتضمن إعلانات ـ تعلم قيماً تتعارض مع ما يريده أغلب الآباء لأطفالهم. ومن المؤكد أنه من المفيد ألا يكون هناك صوت آخر في منزلك يبث قيماً متعارضة، وقد أظهرت الدراسات أن أغلب البرامج التلفزيونية التجارية لها تأثير سلبي واضح على قيم الأطفال، ووقت الشاشة بالنسبة إليهم، فيما يتصل بالرغبة في الاستحواذ والعنف والعرق وغيرها من القيم غير الإيجابية، بغض النظر عما تحاولين تعليمهم إياه.
وبالتأكيد بما أن التلفاز والمدارس ومجموعات الأقران والأفلام والكتب وغيرها من وسائل الإعلام كلها تشكل معلمين أقوياء لغرس القيم النبيلة في نفوس الأطفال ولكن بغض النظر عن مدى قوتها، فإن أغلب المراهقين ما زالوا يشيرون إلى والديهم باعتبارهم المصدر الأساسي لقيمهم.
وتشمل القيم كل ما هو عزيز عليك – مثل الأسرة، والتعليم، والديمقراطية، أو المساواة في الكرامة لجميع الناس – وما تعتقدين أنه من المهم أن تكوني عليه – مثل العطف، أو العمل الجاد، أو الصدق، لكن المشكلة أنه لا تتم مناقشة القيم في أغلب الأسر بشكل مباشر. يفترض أغلبنا أن أطفالنا سوف يطورون القيم تلقائياً، الأمر ليس سحراً فلا بد من مناقشة هذه القيم مع أطفالنا.
بالطبع، هذا الأمر معقد بسبب الفرق الواسع بين ما يقوله البشر عن معتقداتهم، وما يفعلونه في الواقع في الممارسة العملية، فهما يختلفان في كثير من الأحيان. والناس لا يتصرفون دائماً وفقاً لقيمهم. وما سيفعله أطفالك عندما يواجهون خيارات صعبة سوف يعتمد أكثر على من هم، وليس على ما يقولون إنهم يؤمنون به.
هل تطبقين أساليب إيجابية لتربية الأطفال والتعامل معهم
ما هي القيم الإيجابية التي يجب زرعها لتربية الأطفال بأساليب إيجابية وجعلهم سعداء؟
يؤكد الخبراء أن هناك عشر كفاءات أخلاقية يحتاج إليها كل البشر: الحشمة، والإنصاف، والتعاطف، والتضحية بالنفس، والمسؤولية، والولاء، والواجب، والخدمة، والصدق، والشرف. لكن يضيف الخبراء إلى القائمة عدة صفات هي الشجاعة، والقدرة على السلام، والاعتماد على الذات، والجدارة بالثقة، والعفة، والاحترام، والحب، وعدم الأنانية، والرحمة.
والسعادة هي نتيجة تطوير نقاط القوة الشخصية في الطفل، ولكنها تشمل أيضاً التواضع وضبط النفس وحب التعلم والاجتهاد والقيادة والحذر والمرح، وبغض النظر عن قائمتك الشخصية للأشياء التي تقدرينها أكثر من غيرها، فالخبراء لا يشجعونك على تكرارها لطفلك. فالكلمات لن تعني له الكثير ولكن يمكنك مساعدة طفلك على تطوير القيم التي تريدين أن يتحلى بها. لتربيته بأساليب إيجابية من خلال المواقف الآتية:
1. اجعلي طفلك واقعياً يتحدث عن عالمه :
تبدو القيم نظرية إلى حد كبير حتى يبدأ الأطفال في الحديث عن حياتهم الخاصة، وهي مليئة بالقرارات المحملة بالقيم.
لكن لجعل طفلك مرتبطاً بواقعه اسألي نفسك:
هل يُسمح لطفلي البالغ من العمر ست سنوات بإلغاء موعد مع صديق لقبول دعوة أخرى أكثر أهمية؟
ما هو مقدار المساعدة التي يجب أن يقبلها طفلي البالغ من العمر 8 سنوات مني في مشروعه المدرسي؟
هل يجب على ابني البالغ من العمر 10 سنوات أن يترك فريق كرة القدم في الحي في منتصف الموسم عندما يتم نقله للانضمام إلى فريق أكثر احترافية – حتى لو كان أفضل لاعب وخروجه سيترك فريقه بالتأكيد يعاني؟
هل يجب على ابنتي البالغة من العمر 12 عاماً أن تدعو فتاة إلى حفلة يوم ميلادها والتي بعض الفتيات الأخريات يحتقرنها، لكنها ذهبت إلى حفلتها؟
هل يجب على ابني البالغ من العمر 14 عاماً أن يخبر المعلم أن بعض الأطفال يغشون في الاختبار؟
هل يجب على ابنتي البالغة من العمر 16 عاماً أن تقوم بعمل تطوعي، هي لا تحبه، لكنه سيكون جيداً في طلب الالتحاق بالجامعة؟
إن التعامل مع هذه القرارات هو ما ينمي قيمنا. لا تفوتي الفرصة لتشجيع طفلك على النمو من خلال دعمه في اتخاذ قرارات واعية.
2. انتبهي إلى كلامك ولا تُنظري :
لا يتعلق الأمر بما تقولينه، بل بما تفعلينه. إذا أخبرت أطفالك أن كرة القدم تتعلق بالمتعة والمهارات والتمارين والعمل الجماعي، ولكن سؤالك الأول يتعلق بمن فاز بالمباراة، فسوف يتعلمون أن الفوز أهم من أي شيء آخر. إذا تحدثت عن الصدق ولكنك كذبت بشأن أعمارهم للحصول على تذكرة أرخص لدخول مدينة الملاهي، فهذا لا يضع طفلك في موقف غير مريح فحسب، بل إنه يتعلم أيضاً أن الغش عند الناس أمر مقبول في ظل ظروف معينة.
ولا تدعي أطفالك يشعرون بالملل منك لأنك تجعلين كل لحظة هي “لحظة تعليمية”. بطبيعة الحال، فهم ليسوا مستعدين كل مرة لسماعها، بدلاً من ذلك، حاولي طرح الأسئلة لمعرفة المزيد عن القرارات التي يتخذها الطفل وما يفكر به، شاركي طفلك بآرائه الخاصة باعتدال. ربما يتعلم من عملية التعبير عنها وملاحظة التبعات الأخلاقية لاختياراته أكثر مما قد يتعلمه من محاضرة تلقينها عليه وسيشعر أيضاً بارتباط أكبر بك، لأنك تستمعين إليه.
3. ساعدي طفلك على التعاطف مع الناس :
التعاطف لدى الأطفال هو أساس الرحمة، التي هي أساس القيم، والتربية الإيجابية، لا يتعلم الأطفال التعاطف من خلال إخبارهم بالشعور به. الطريقة الوحيدة التي يمكن للأطفال من خلالها تعلم التعاطف هي من خلال معاملتهم بتعاطف، ومن خلال مراقبتك يتعامل الأطفال مع الآخرين بالرحمة واللطف. لذلك دعي طفلك يشاركك في حملات جمع المعاطف إلى زيارة دار رعاية المسنين المحلية في يوم الحب، وغيرها الكثير من الأنشطة.
4. تحدثي بوضوح عن قيمك ولماذا هي مهمة بالنسبة لك :
ما هي النزاهة؟ ما هو التزامنا تجاه جارنا؟ ماذا لو لم يكن هذا الجار يشبهنا؟ لماذا يعد السلوك المحترم مهماً بين الناس؟ إن مساعدة الأطفال على تفسير العالم هي مسؤولية أساسية تقع على عاتق الوالدين.
5. امدحي طفلك عندما يتصرف بشكل جيد :
عندما ترين طفلك يُظهر قيمة أخلاقية مهمة بالنسبة لك، اعترفي له بذلك، وحددي التصرف الجيد، الذي قام به، كما الآتي:
“لقد لاحظت تصرفك الرائع مع صديقك أحمد وكيف دعوته إلى اللعب معك البارحة.”
“لقد كنت فخورة بك لأنك كنت صادقاً معي بشأن ما حدث معك في المدرسة.”
“كم هو كرم منك أن تعطي أحد حيواناتك المحشوة لوداد!”
“أنا مطمئنة لأنك اكتشفت بنفسك كيفية الحصول على الواجب المنزلي الذي فاتك البارحة!”
6. كوني نموذجاً في الالتحاق بالأنشطة :
سواء كان الأمر يتعلق بالترشح لمجلس المدرسة أو التطوع لعمل خيري، يحتاج أطفالك إلى رؤية أنك ملتزمة تجاه المجتمع الأكبر.
ساعدي طفلك على تقدير كيف أن العمل غير المرئي الذي يقوم به الآخرون يساعد كل واحد منا يومياً، وأنه كلما زادت النعم التي لدينا في حياتنا، زادت مسؤوليتنا في تقديم المساعدة للآخرين.
7. أنفقي المال بعقلانية :
إن الاستخدام المسؤول للمال هو قيمة يصعب تعليمها في هذه الوقت الذي كثر فيه الناس الانهزاميون، والذين يسعون لجمع المال، وربما تحتاجين إلى البدء بتوضيح قيمك الخاصة فيما يتعلق بالمال. فعندما يفقد طفلك هاتفه المحمول، هل يجب عليه أن يدفع ثمن هاتف جديد؟ هل يجوز لطفلك أن ينفق كل الأموال التي جمعها على نفسه؟ حتى لو كانت عائلته قادرة على تحمل تكاليف الكلية، فهل يجب عليه أن يعمل في وظيفة صيفية للمساهمة؟
قومي بتقسيم ما يتبقى من أموالك لنصفين في علبتين منفصلتين، إحداهما مكتوب عليها “صدقة” والأخرى مكتوب عليها “ادخار”. الادخار يساعد في شراء تلك الدراجة، أو شراء هدية لصديقتك، أو المساعدة في دفع تكاليف الرحلة المدرسية.
8. ناقشي طفلك من خلال الكتب والأفلام :
تعرفي إلى أفضل الكتب التي بحبها الأطفال والأفلام التي تشاهدينها مع طفلك، مع وضع هدف واضح لبناء الشخصية. بالطبع، الاختيار الدقيق ليس كافياً، بل تحتاجين أيضاً إلى إجراء مناقشة حول ما قرأته أو شاهدته للتو. اسألي طفلك هل تعتقد أن الشخصية اتخذت القرار الصحيح؟ لماذا أو لماذا لا؟ على طاولة العشاء، اسألي طفلك سؤالاً أو سؤالين جيدين لبدء المحادثة، وستجدين الكثير من الاقتراحات الرائعة، أو شاركي مشكلة أخلاقية واجهتها اليوم في حياتك الخاصة. مثل قطع الطريق على شخص ما في حركة المرور إلى مشاركة في القيل والقال.
9. ازرعي في طفلك الروح الرياضية :
يبدو أن بعض الناس أكثر قدرة على المنافسة من غيرهم منذ الولادة، ولكننا جميعاً بحاجة إلى أن نتعلم كيف نكون رياضيين جيدين. إن مساعدة طفلك ستجعل من الأسهل عليه أن يجد عزاءً حقيقياً في لعبة ما اذا خسر، وبهذا سيكون مستعداً لتهنئة الرابح الذي تفوق عليه، بروح رياضية عالية.
10 . اجعلي طفلك مثالياً إلى حد ما :
علمي أطفالك أن فعل الشيء الصحيح ليس هو الشيء الصحيح فحسب، بل هو الشيء المُرضي الذي يجب فعله، في أعماقنا، حتى عندما يكلفنا ذلك شيئاً، ولكي نكون الأشخاص الذين نريد أن نكون، علينا أن نؤمن بأشياء لا يمكن إثبات صحتها: أن معظم الناس طيبون في الغالب، وأن الجريمة لا تُجدي، وأن الخير ينتصر على الشر، وأنه من الأفضل أن نحب ونخسر من ألا نحب على الإطلاق… يمكنك بالتأكيد إضافة أشياء إلى هذه القائمة.