اقلام

رسالة التعزية للشيخ توفيق علوية برحيل العلامة الشيخ عفيف النابلسي

رسالة التعزية للشيخ توفيق علوية برحيل العلامة الشيخ عفيف النابلسي

بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله المتعال : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }
تلقينا بكل أسى هذا الصباح نبأ وفاة سماحة العلامة الشيخ عفيف النابلسي اعلى الله في الخلد مقامه ورحيله الى ساحة الرحمة الالهية ورضاه وثوابه العالي ، وقد توفاه الله المتعال بعدما قضى عمرا مديدا جعله مبذولا في سبيله وموقوفا على خدمة دينه وشريعته ، وقد كان رحمه الله صاحب ارادة صلبة وعزيمة راسخة ، وكانت عقيدته الاسلامية الولائية في اعلى تجلياتها واعظم مظاهرها ، وكانت مواففه المشهودة خير معبر عن شخصيته الزاكية ، لقد كان رحمه الله المتعال يعيش الاسلام الصحيح عقيدة وفكرا وفقها وعبادة وممارسة وسلوكا ، وكان رساليا بامتياز ، يعيش الرسالية في ابهى صورها واعلى قممها واجلى معانيها ، وكانت قضايا الامة في صلب اهتماماته ومن اولويات ادواره ، فعاش القضية الفلسطينية بكل جوارحه وجوانحه ، فحضنها ونادى بمظلوميتها ، وشارك بندواتها ومؤتمراتها ، وربى جيلا كاملا كان عنوانه فتح القدس والدخول الى فلسطين ، كما عاش كل قضايا المسلمين في الهند وباكستان وكشمير والشيشان والبوسنة والهرسك واليمن والعراق وسوريا ولبنان ومصر وغيرها من البلاد ، وكان صارما قي الدفاع عن الثلاثية الذهبية في لبنان ، شديد النكير على من يمسها بسوء ، وكان من الاوائل الذين اسسوا لمحاربة المحتل الصهيوني وعملاء الاحتلال ، ورأى الانتصار وبشر بتحرير فلسطين والقدس ، ولا ننسى انه رحمه الله المتعال كان دائم اللهج بهذه الاسماء الخمسة الامام الخميني والامام الخامنئي والامام الصدر والامام محمد باقر الصدر والعلامة الشيخ محمد جواد مغنية ، وكنا عندما نجلس بمحضره الشريف نشعر بأنس كبير عندما يحدثنا عن النجف وعلماء النجف وتجربته الرائدة هناك ، وعندما يحدثنا عن قم ومراجع قم ومحورية الجمهورية الاسلامية في ايران ، ولكننا كنا نستشعر فقده الشديد للشهيد السيد عباس الموسوي ، وللشهيد الشيخ راغب حرب من جهة كونه رفيق دربهما الجهادي والسياسي والرسالي والتاسيسي ، وكان رحمه المتعال اديبا قد فتق جوانب الادب بابداع اليراع ، وكان شاعرا ملهما وخطيبا مفوها وعالما بارعا محيطا بالمباني الاصولية خبيرا بالنكات العلمية والفقهية عميقا في الدراية والرجال ، واذكر اننا عندما كنا ذات مرة في قم المقدسة بمحضر المرجع السيد كاظم الحائري حفظه الله المتعال وكان سماحته اعلى الله في الخلد مقامه في زيارة المرجع الحائري مع الوفد المرافق كيف كانت لهفة المرجع الحائري في استقباله وعناقه وتعظيمه وتوقيره واحترامه ، وقد اهديت سماحته اعلى الله في الخلد مقامه كتابا لي بعنوان ( معجم الصواب والخطأ في اللغة العربية ) وكم كانت المفاجئة بالنسبة لي كبيرة عندما اتصل بي سماحته واخبرني بانه قرا الكتاب وذكر لي عدة اشكالات على بعض الفقرات ، بالفعل كانت لفتة كبيرة من سماحته انه يهتم بقراءة كتاب لطالب وبهذه السرعة في الوقت الذي لم نر هذا الاهتمام من الكثيرين الذين عندما نهديهم الكتب لتشجيعنا لا يعيرون اي اهتمام ، وقد وفقني الله المتعال للجلوس في محضره الشريف انا وبعض الاخوة بالاضافة الى الجلوس مع جنابه الشريف اثناء زيارات مع بعض العلماء ، وفي كل هذه المجالس لم نكن نرى الا الكتب والاوراق التي كان يستخدمها رحمه الله المتعال للتاليف والتصنيف ، ولم نكن نسمع الا ذكر الله المتعال وذكر اهل البيت عليهم السلام وذكر العلماء لاسيما اساتذته وزملاء دراسته والفوائد العلمية والادبية والمواعظ الحسنة ، وكان رحمه الله المتعال يذكرنا بالسلف الصالح تلذي كان يعيش الاصالة ، اما مؤلفات وتصنيفات سماحته فقد ساهمت في رفد المكتبة بشكل اعم ، والمكتبة الدينية بشكل عام ، والمكتبة الاسلامية بشكل خاص ، والمكتبة الولائية بشكل اخص ، فقد كان سماحته رحمه الله المتعال موسوعيا في التاليف والتصنيف وفي الابواب العلمية الشتى ، اما منبره فقد كانت له قصة اخرى مع فقيدنا العلامة رحمه الله المتعال ، فقد كان بعطي للوعظ والارشاد والتبليغ والدعوة كل ما يحتاجه وزيادة ، فقد كان رحمه الله المتعال ينتخب الموضوعات والكلمات التي لها تاثيرها على سلوك الافراد بحيث ان من يسمع خطبه المباركة يعيش عملية التغيير الايجابي ، ولا ننسى تلك المقالات التي كان رحمه الله المتعال يكتبها ويتم نشرها في الدوريات الصحفية والاعلامية حيث كانت عبارة عن مجموعة مواقف تحتاجها الحالة الجهادية والرسالية من اجل توضيح مجريات الامور للصديق ومن اجل إفحام الاعداء وتكبيتهم ومقارعتهم بالحجج البينة الواضحة ، كما ان مواقفه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والجهادية التي كانت تبث عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة كانت تسد ثغرات مهمة في مجال مقارعة الاعداء ، ولعل الجميع لم ينس فتواه الشهيرة بالحاخام الصهيوني ، كما اننا لم ننس موقفه العظيم من منع توزير اي شيعي اثناء التحدي الذي اعلنه اعداء الثنائي الوطني بتوزير شيعة على الهوية بدلا عن وزراء الثنائي الوطني .
لقد كان رحمه الله المتعال دمث الاخلاق لين العريكة بشوش الوجه حسن المخالقة والمخالطة يتمنى من يزوره ان لا يغادر مجلسه ، وقد وفقه الله المتعال لبناء صرح رسالي عبادي علمي اجتماعي قد تخرج منه جيل كامل من العلماء والمؤمنين المتدينين والمجاهدين ، كما انه ساهم في سد الكثير من حاجات الفقراء والمساكين والايتام عبر جمعية الابرار التي اسسها سماحته من اجل التصدي لحالات الفقر واليتم ، فرحمه الله المتعال واعلى في الخلد مقامه وجزاه الله عن الاسلام والمسلمين والايمان والمؤمنين والجهاد والمجاهدين خير جزاء المحسنين ، وحفظ انسابه واسبابه واحبابه وطلابه واطال باعمارهم انه مجيب قريب جل شأنه وتعالت قدرته . انا لله وانا اليه راجعون ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، والحمدلله رب العالمين وصل اللهم على محمد واله الاطهرين .
الشيخ توفيق حسن علوية
يوم الاحد في 16 تموز عام 2023 للميلاد الموافق ل 27 ذو الحجة 1444 هجرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى