إذا أردت استفزاز أي أب أو أم اسأليهم كم ساعة يقضيها أبناؤهم أمام التلفزيون يوميا؟ ستجدين أنهم يحاولون أن يجدوا كل الأعذار التي توضح سبب قضاء الأبناء كل هذا الوقت أمام التلفزيون. أما إذا أردت أن تؤنبي ضميرهم إلى أقصى حد، فاسأليهم ما نوع البرامج والأفلام التي يشاهدها أبناؤهم؟
لا أظن أنه تم انتقاد أي من العادات التربوية بقدر ما تم انتقاد عادات مشاهدة التلفزيون في السنوات الأخيرة. فقد أثبتت الأبحاث أن هناك علاقة بين مشاهدة التلفزيون للأطفال وبين علل عدة، أهمها: انخفاض مدة الانتباه للطفل والسمنة ومشاكل الأرق وضغط الدم المرتفع وأعراض التوحد والعنف وتأخر الكلام وعدم القدرة على التعامل اجتماعيا! وبلا شك، لا يريد أي منا أن ينقلب طفله لشخص سمين متوحد يزن ١٠٠ كيلوجرام ولا يكاد يغادر الكنبة، ولكن علينا أن نسأل أنفسنا، ما الذي يشاهده أبناؤنا على التلفزيون؟
ماذا يعرض على التلفزيون؟
- لو تكلمنا عن البرامج المصرية الموجهة للأطفال مثل “بكار” وغيره، فأنا أعتقد أنها ستؤدي إلى تدهور ذهني سريع لأطفالي. ومن الناحية الأخرى، فأنا لا أسمح لأطفالي بمشاهدة قنوات الأغاني التي تعرض الكثير من أغاني الفيديو كليب كما تفعل معظم صديقاتي . مهما كان ابني يحب هيفاء وهبي، فلن أسمح له بمشاهدة تلك الأغاني. ففي رأيي إيجاد برامج مناسبة لطفل عمره ٥ سنوات في مصر تكاد تكون مستحيلة.
- الأطفال سريعو التأثر وللأسف لا يستطيعون التفرقة بين ما هو مقبول في المجتمع وما غير ذلك. فعندما نشاهد نحن الكبار التلفزيون، نستطيع تمييز أن ذلك خيال ولا علاقة له بالواقع “ده فيلم مش حقيقة”، بينما لا يستطيع الأطفال أن يدركوا ذلك. فعندما تشاهدين فيلم “الريس عمر حرب”، الذي يمارس فيه البطل الرذيلة مع سيدات كثيرات، تعلمين أن هذا ليس واقعيا ومرفوضا في مجتمعنا. من الناحية الأخرى، لن تستطيع ابنتك ذات ٨ سنوات أن تفرق بين ما هو واقعي وما هو خيالي أو مبالغ فيه وقد تعتقد أن شيء كذلك مقبول اجتماعيا.
- وتزداد صعوبة إيجاد شيء مناسب للأطفال كل يوم، حتى كارتون “توم وجيري” المحبب لدينا جميعا قد يبدو عنيفا بعض الشيء لو نظرت لعدد المرات التي يلكم فيها جيري توم المسكين في رأسه! ولن أتحدث عن القنوات الفضائية الأخرى التي تعرض برامج مليئة بالعنف والألفاظ غير المناسبة وإعلانات غير مطلوبة عن ألعاب باهظة الثمن ووجبات سريعة مضرة بالصحة وبينها قليل من البرامج المتابعة زمنيا المناسبة للأطفال. وإن أمكنك الحصول على قنوات مدفوعة فالحال ليس أفضل، فبين البرامج غير الملائمة اجتماعيا وثقافيا كـ”هنا مونتانا” و”هاي سكول ميوزيكال”، وبين برامج الكرتون غير المفهومة، لا مفر للأطفال من انحدار مستوى الثقافة.
ولكن الوضع ليس بهذا السوء، أليس كذلك؟
ولكن هناك ملحوظة مهمة، ككل شيء آخر، يمكن للتلفزيون ألا يكون ضرره شديدا لو تم التحكم في كم وكيف استخدامه. فهو في الحقيقة منقذ للأمهات والآباء الذين فاض بهم الكيل من الضغوط والأعباء اليومية عندما يحتاجون قليلا من الراحة. فهو نشاط مسلي للأطفال ولا يقتضي إشرافا متواصلا كبعض الأنشطة الأخرى التي يمكن أن تؤدي إلى إشعال الحريق في البيت كله. الحقيقة هي أن التلفزيون قد يكون متسعا لتنفس الأمهات والآباء بعد يوم شاق وبقليل من البحث عن البرامج المناسبة، قد يتحول لتجربة مفيدة للأطفال إذا وضعنا في الاعتبار بعض النقاط المهمة.
نقاط مهمة تساعد على تنظيم مشاهدة التلفزيون للأطفال :
1 – الاعتدال : هناك خط أحمر صغير بين التسلية والإدمان. ساعة أو ساعتين من التلفزيون في اليوم وضع مقبول ولكن ٦-١٠ ساعات في اليوم مرفوض وخطأ. حددي مدة معينة لمشاهدة التلفزيون في اليوم واحرصي على ألا يتعداها أبناؤك ، واجعلي التلفزيون نوعا من المكافأة لو أنهوا واجباتهم المدرسية والمنزلية.
2 – المراقبة : فكري منطقيا في البرامج التي تسمحين لأطفالك مشاهدتها. فمثلا إذا كنت معترضة على انطلاق الصغار في المنزل يرددون “أنت أحمق” كما تفعل الشخصية الكارتونية سبونج بوب، فربما برنامج “سبونج بوب” ليس ملائما لهم.
3 – دعي أطفالك يقررون . لو كان أطفالك عاقلين بدرجة كافية أن يفرقوا بين التلفزيون والواقع، فلا مانع أن يشاهدوا بعض البرامج. ولكن لو مثلا بدأ ابنك بضرب طفلا آخر في المدرسة لأنه شرير مثل “دكتور أنيمو” في “بن تن”، فأعتقد أن مشاهدة الكارتون العنيف غير ملائم له.
4 – ليس التلفزيون وحده . إذا وضعت ضوابط لمشاهدة التلفزيون فلا تنسي أنواع الشاشات الأخرى أيضا، كألعاب الفيديو والكمبيوتر والإنترنت. ففي النهاية كثير من أطفال هذا العصر لا يشاهدون التلفزيون كجهاز لأنهم يحصلون على كل البرامج والأفلام عبر الإنترنت. ولا تنسي أيضا ألعاب العنف على البلاي ستيشن والتليفون المحمول.
وأخيرا التلفزيون ليس فردا من أفراد الأسرة ولا يجب أن يكون معنا طوال الوقت. بمعنى أدق، التلفزيون مغلق في أثناء الغداء الأسري، وفي أثناء تأدية الواجب وأي وقت آخر غير الوقت المخصص لمشاهدته.