السياسية

طرابلس لا تحتمل الانتظار… فمن يجرؤ على الإنقاذ؟

بقلم: لبنى عويضة…

خاص: جريدة الرقيب الالكترونية

مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية والاختيارية، يفرض الواقع السياسي والمعيشي نفسه على الخطاب العام، ويكشف أن المعركة المقبلة لا تُخاض بالشعارات ولا تحسم بالاصطفافات الكلاسيكية، بل بالتأسيس لمسار إنمائي حقيقي يعيد للبلديات دورها الطبيعي، كمحرّك أولي للإنقاذ في ظل شلل شبه تام للمؤسسات المركزية.

السكون ليس حيادًا… والبلدية آخر جبهات المواجهة

في زمن الانهيار، لم يعد الحياد فضيلة، ولا الانتظار دليل حكمة. البلديات لم تعد تفصيلاً إدارياً، بل صارت خط الدفاع الأخير عن كرامة الناس وحقوقهم الأساسية. وفي الشمال عامة، وطرابلس والميناء خصوصًا، لم يعد هناك ترف للوقت ولا مساحة للاختباء خلف شعارات فضفاضة.

بلدية اليوم ليست صندوق خدمات، بل الموقع الوحيد القابل للتفعيل، والرهان الوحيد الممكن عليه. ومن هنا، لم تعد المشاركة خياراً، بل واجباً وطنياً وأخلاقياً. أما بعض الذين يهاجمون الطبقة السياسية تحت عباءة الاستقلالية وشعارات المجتمع المدني، فليسوا سوى طامعين في مقاعدها، يتخفّون خلف ادّعاءات نقيّة، بينما يسعون في الخفاء ليكونوا نسخًا مشوّهة عمّن ينتقدونهم… لكن من دون شجاعة الاعتراف أو وضوح الهدف.

السياسة والإنماء: فصل وهمي في زمن الحقيقة

الخطاب الذي يفصل بين السياسة والإنماء لا يستقيم في الواقع اللبناني. فالسياسة في جوهرها أداة، وإذا أُحسن استخدامها تحوّلت إلى رافعة للمدينة لا عبئاً عليها. أي مشروع إنمائي يحتاج غطاءً سياسياً وتشريعياً وخدماتياً، وهذه ليست تهمة بل اعتراف بالحقيقة.

وهنا نرفض معادلة “المدني مقابل السياسي”. في لبنان، الجميع منخرط بالسياسة من حيث لا يدري، وحتى من يرفضها يتأثر بها. والمطلوب اليوم ليس شيطنة السياسة، بل توظيفها لمصلحة الناس.

تيار الكرامة: التواصل لا الإقصاء

انطلاقاً من هذا الوعي، افادت مصادر خاصة بجريدة الرقيب ان تيار الكرامة انخرط في تواصل مفتوح مع جميع مكوّنات المدينة دون استثناء أو استبعاد. لا يغلق الأبواب بوجه أحد، ولا يبني تحالفاته على أنقاض أحد. والمطلوب اليوم هو جمع أكبر عدد من التفاهمات على برنامج إنمائي واضح، يضع المدينة فوق الأسماء والمصالح الشخصية.

اما ما يُشاع عن اجتماعات سرية أو صفقات في الخفاء هو محض افتراء. واضافت مصادر تيار الكرامة لجريدة الرقيب ان كل اللقاءات تجري علنًا وبشفافية، وخيارات الترشيح باتت شبه محسومة بعد عملية غربلة دقيقة. العمل الجدي بدأ، والماكينات تحرّكت، وبدأت الاستعدادات الفعلية لخوض الاستحقاق بجهوزية عالية.

الشراكة لا المعارك: الإنماء فوق الحسابات

تيار الكرامة لا يبحث عن خصومات، بل عن شركاء تؤكد مصادره للرقيب. والهدف ليس تسجيل النقاط، بل تحقيق الإنماء. وهو يدرك تمامًا أن بعض الاتصالات قد لا تُكلَّل بالنجاح، لكن هذه طبيعة الديمقراطية: الاختلاف لا يُفسد التلاقي، ولا يبرّر تعطيل المدينة.

نرفض أن تبقى طرابلس رهينة نزاعات قديمة أو حسابات ضيقة. فاليوم، الإنماء هو السياسة الوحيدة التي تهم الناس، وأي برنامج لا يخدم الناس، لا قيمة له مهما كانت لافتاته.

التجارب تفضح الاستقطاب العقيم

ما نشهده اليوم في بلدية بيروت دليل على التوجّه الجديد: تقاطعات بين العائلات، الجمعيات، والقطاعات، دون شيطنة أو تعليب مسبق. لا مكان بعد اليوم لمعادلة “المجتمع المدني ضد الدولة”. الكل بات شريكًا في القرار، وبالتالي شريكًا في المسؤولية.

البلدية بحاجة لغطاء سياسي… هذا ليس عيبًا

لا يمكن لأي بلدية أن تنهض دون دعم سياسي واضح. الدعم النيابي والتشريعي والخدماتي ليس “سلاحاً” بيد أحد، بل ضرورة بنيوية في بلد لا تزال مركزيته خانقة. الاعتراف بهذه الحاجة ليس تراجعًا، بل خطوة شجاعة نحو الواقعية والإنقاذ.

إمّا أن نكون شركاء… أو شهود زور على الانهيار

نعلم أن التوافق صعب، والاختلاف مشروع. لكننا نُصرّ على المحاولة لأن ما هو على المحكّ ليس مقعدًا أو منصبًا، بل مصير مدينة كاملة. هل نريدها قادرة على الصمود؟ أم نتركها تتهاوى لتُضاف إلى لائحة الفشل الرسمي؟

طرابلس لا تحتاج إلى متفرّجين، بل إلى محاربين نزيهين. نريد من ينزل إلى الشارع لا إلى الشاشات فقط. من يعتبر الإنماء مسؤولية لا سلّمًا للسلطة.

الانتخابات المقبلة ليست معركة أسماء… بل معركة حياة.
إما أن تكون المجالس البلدية ورقة الإنقاذ الأخيرة،
أو نكون نحن جميعًا… شهود الزور على شهادة وفاتها.

زر الذهاب إلى الأعلى