اخبار ومتفرقات

أميركا، سلاح “حزب الله”، وحدود التهديد المبطّن

في تصريحاته الأخيرة، سعى المبعوث الأميركي توم برّاك إلى تسويق خطاب يبدو في ظاهره معتدلًا، يتحدث عن “إرشاد”، و”مساعدة”، و”احترام السيادة”، إلا أن القراءة المتأنّية لمضامين كلامه تكشف عن سياسة تدرّجية تصعيدية تمارسها الولايات المتحدة عبر أدوات ناعمة وبعناوين مزيّفة، هدفها انتزاع سلاح المقاومة تحت غطاء الحلول الداخلية، دون اللجوء إلى المواجهة المباشرة.

فعندما يقول برّاك: “مسألة نزع سلاح حزب الله شأن داخلي”, فهو في الحقيقة لا يرفع يده عن الملف، بل يقدّمه كملف تفجيري داخلي، يُراد من خلاله إشعال الساحة اللبنانية من الداخل. وكأن الولايات المتحدة تسعى إلى تفويض اللبنانيين – تحت الضغط الاقتصادي والسياسي – بفتح النار على أنفسهم، تحت شعارات السيادة وبناء الدولة، بينما هي المُخطّط والمنفّذ والداعم في الظلّ.

الولايات المتحدة، كما بات واضحًا، لا تستخدم في لبنان لغة الترغيب، بل تمارس لغة التهديد عبر وسائل غير مباشرة: تضييق مالي، عقوبات، تصنيفات إرهابية، تحريك أدوات داخلية، تسويق مشاريع مشبوهة عبر المؤسسات، كلها تصب في خانة واحدة: إجبار المقاومة على تسليم سلاحها أو تقييده، ليس عبر قوة النار بل عبر قوة الابتزاز السياسي والدبلوماسي.

لكن التهديد لم يقتصر على الداخل فقط، بل جاء على لسان برّاك نفسه خلال زيارته السابقة، حين أطلق تهديدًا صريحًا بإعادة لبنان إلى بلاد الشام، في إشارة مباشرة إلى محو الكيان اللبناني المستقل، وإعادته إلى حالة التبعية ضمن خارطة إقليمية جديدة ترسمها واشنطن. كان ذلك بمثابة إنذار غير معلن: إما تسليم السلاح والرضوخ، أو العودة إلى ما قبل 1943، تحت حكم الوصاية أو الفوضى.

 

وهنا تتّضح خطورة المشروع الأميركي الذي لا يستهدف فقط سلاح حزب الله، بل كيان الدولة اللبنانية وهويتها السياسية، عبر تطويقها بالفصائل المسلحة التي أنشأتها أو دعمتها أميركا في الإقليم، تحت أسماء متعددة، تمهيدًا لفرض مشهد أمني جديد عنوانه: لا مقاومة، لا حدود، ولا سيادة حقيقية.

 

 

الوجه الأكثر إثارة للقلق، ليس في كلام توم برّاك فحسب، بل في استعداد الدولة اللبنانية – بكل ما تمثله من مؤسسات رسمية – إلى استقباله، والتحاور معه، بل واعتباره شريكًا في رسم المستقبل الوطني.

 

توم برّاك، القادم من قِبل رئيسٍ أميركي وصفته أكبر الصحف العالمية بأنه أكذب رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، يدخل إلى لبنان بوصفه رسول سلام! فهل نسي المسؤولون أن من أرسله هو نفسه من موّل ودعم العدوان على غزة، وغطّى جرائم الاحتلال في الجنوب، وسعى إلى محو فكرة المقاومة من قاموس المنطقة بأكملها؟

 

بل الأخطر، أن بعض القيادات السياسية في لبنان باتت تتعاطى مع مبعوثي الإدارة الأميركية وكأنهم أوصياء على القرار الوطني، وليسوا مجرد ممثلين لدولة كبرى ذات مصالح. فهل من المعيب أن نذكّر هؤلاء بأن من لا يحترم نفسه، لن يحترمه أحد؟

 

تقول أميركا إنها لا تفرض على إسرائيل شيئًا. وهنا بيت القصيد. فإذا كانت واشنطن ترفض الضغط على الجهة المعتدية، وتكتفي بتقديم “النصائح” للجهة المدافعة، فبأي منطق يمكن أن تُعتبر “وسيطًا” أو “صاحب نوايا سلمية”؟

 

إن نزع سلاح المقاومة في لبنان، في ظل الاحتلال الإسرائيلي المستمر لمزارع شبعا والغجر، والخروقات اليومية، والتهديدات المتواصلة، ليس مسألة داخلية، بل هو إعدام سياسي وأمني للبنان كلّه.

 

 

ما يُراد للبنان اليوم، هو أن يُساق إلى طاولة مفاوضات ليست لصالحه، بل لتفكيك ما تبقى من عناصر قوّته. وبدلًا من أن ترفض الدولة اللبنانية المجيء الأميركي تحت عناوين مشبوهة، نجدها تستقبله وتُعطيه منابر لتوجيه اللبنانيين كيف يعيشون ويموتون.

وما بين سلاح المقاومة المُحاصر، وخريطة الفصائل المدعومة أميركيًا المحيطة بلبنان من كل جهة، وتهديد صريح بإعادته إلى خارطة “بلاد الشام”، تلوح في الأفق صورة قاتمة لمستقبل وطن يُراد له أن يُعاد إلى الوراء، إلى حيث لا مقاومة، ولا كرامة، ولا قرار.

فإما أن نستعيد وعيَنا، أو نسقط فرادى وجماعات في فخ “الاستقرار الكاذب” الذي تعد به واشنطن.

دلال موسى

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة. 

زر الذهاب إلى الأعلى