
وليد بيك، قبل قراءة هذا المقال، أرجو من حضرتك أن تدخل إلى منصة “إكس”، وتكتب فقط كلمة “الدروز” باللغة العربية. عندها ستدرك سبب هذا المقال، وتعذرني، كما ستعذرني كل الأقليات التي ستعرف ماذا ينتظرها في هذه المنطقة التي تُستباح فيها كرامات الناس، وترى حجم الإذلال والمهانة التي يتعرض لها مشايخ الدروز، وكيف تُحلَق شواربهم علنًا على وسائل التواصل، فضلًا عن حجم التحريض والتكفير الذي يُمارَس ضدهم.
وليد بيك، هل تسمع ما يُقال عن أبناء الطائفة الدرزية الذين يسلمون أنفسهم للدولة السورية؟ إنهم يُوصَفون بأسرى حرب، هل يعقل ان يتحول المواطن السوري من قبل ما يسمى الجيش السوري اسير حرب.
وليد بيك، أتمنى ألا تفهم كلامي خطأ أو أنه مزايدة أو حتى مقال لأرشد فيه بني معروف على طريق خلاصهم، فهذه الطائفة العظيمة الغارقة في الفلسفة وفهم العلوم وقراءة المستقبل قبل قرون طويلة من وضع أسس المعرفة، هي طائفة الحكمة التي يعترف الجميع بمكانتها الفكرية والفلسفية.
المشكلة يا وليد بيك أن طائفة الموحدين هي الطائفة الأولى التي كسرت قيد التشدد الإسلامي قبل قرون وتمردت على أفكار ونصوص كانت تعرف أنها ستؤدي بالعرب والمسلمين إلى الحضيض مع تطور البشرية. وعندما عجز العقال والمشايخ عن إحداث فرق بعد تكفير الدروز من قبل ابن تيمية الذي اعتبر “أن للدروز درجة عالية من الكفر، إلى جانب ارتدادهم. وبالتالي، فهم ليسوا جديرين بالثقة ولا ينبغي أن يُغفر لهم. وعلّم أن المسلمين لا يمكنهم قبول توبة الدروز ولا إبقاؤهم على قيد الحياة، ويجب مصادرة ممتلكات الدروز، واستعباد نسائهم” (ويكيبيديا وعشرات المصادر)، أيقن بنو معروف أنهم لن يستطيعوا التعايش مع هذه الفئات لشدة ضررها عليهم وعلى توجهاتهم المدنية في العالم، فقررت طائفة الموحدين الانغلاق على نفسها مع الإصرار على أن تبقي شعلة العقل متقدة، وإن كان هذا الأمر تحت تقية لا يحبها بنو معروف، وهم الذين ميزوا أنفسهم بعاداتهم وتقاليدهم وزيهم على مر التاريخ.
الفكرة يا وليد بيك أنه لو كان بنو معروف يريدون التعايش مع التشدد الإسلامي وأن يكونوا تحت حكمه أو راضين بأسلوبه، لما انفصلوا عن الإسلام المتشدد قبل 700 عام، وكذلك الشيعة والإسماعيليون وحتى المسيحيون الذين تعرضوا لأصعب أشكال التنكيل والضرب والقهر والظلم. ولكن لأن هذه الفئات الأقلية تعرف أن ذوبانها في هذا الفكر المتشدد لن يلغي فقط دورها، بل سيلغي ملامحها وحاضرها وحتى مستقبلها.
وليد بيك، حتى في عصر حافظ الأسد، الذي شهد حكمه تنوعًا طائفيًا في سوريا حيث شارك الجميع معه من مسيحيين وعلويين ودروز، مع ذلك لم يستطع الكثير من السوريين العيش في سوريا. أما اللبنانيون فقد خاضوا حروبًا ضد الوصاية السورية التي أذلت اللبنانيين ونكلت بهم. جميعنا نذكر أنه ما من حاجز للجيش العربي السوري تمر عليه، حتى يقول بكل قرف واستهزاء وتعالٍ: “ولك حقير… هواوي”، وأنتم أكبر قدرًا.
وليد بيك، حتى الجيش السوري الذي كان ضباطه من مختلف الطوائف السورية، كان يتصرف مع الموقوفين اللبنانيين بوحشية لا يمكن وصفها، وربما لا يوجد لبناني واحد إلا وتعرض لانتهاكات جسيمة يندى لها الجبين الإنساني.
جميعنا نذكر عندما كان الجيش السوري يعتقل بعض الشباب اللبناني، ويبدأ بالتنكيل والتعذيب بهم أمام ذويهم، وتهشيم عظامهم ويُرحّلون إلى سوريا في رحلة ذهاب دون عودة.
هكذا كانت سوريا التي كان يقال عنها مدنية. فكيف تتصورها اليوم وقد تحولت الى سوريا المتطرفة بسبب غالبية قيادتها القوقازية والشياشانية والافغانية، الغريبة عن مناطقنا وتعايشنا وعاداتنا وتقاليدنا.
وليد بيك، عندما تقول: “مسؤولية الدولة حماية المواطنين وللتوصل إلى حل سياسي في السويداء”، وكأنك تقول لأهالي السويداء الذين يعيشون في سويسرا، وليس في سوريا.
وليد بيك، لو كانت الأقليات تعيش في سويسرا، وحدث أن أقدم أحد أبنائها على خرق القانون، لكنا جميعًا ـ بلا تردد ـ نتفق معك، ونقول: نعم، يُحاسَب، ويُحاكَم، ويُسجَن إن لزم الأمر. ففي سويسرا، يُعتقل الدرزي، أو الشيعي، أو العلوي، أو أي مواطن، ويُتلى عليه ما يُعرف بـ”حقوقه المدنية”، من حقه في الصمت، إلى حقه في محامٍ، إلى مثوله أمام قاضٍ مدني، لا يعرف طائفته، ولا يهتم لأصل مذهبه ودينه.
لكن المشكلة أن الحديث ليس عن سويسرا، بل عن سوريا. سوريا التي يمثلها “جيش الجولاني” إلذي دخل الساحل السوري، فلم نرَ قوانين، ولا حقوق إنسان، ولا محاميًا ينتظر خلف القضبان. رأينا مشاهد تعيدنا إلى عصور ما قبل الدولة، إلى زمن الغزاة الذين لا يعرفون إلا حكم الغنيمة والسيف. رأينا المواطن السوري العلوي، أو الإسماعيلي، أو المسيحي، يُعتقل في قريته، يُساق مقيدًا، لا ليسمع حقوقه، بل ليسمع تلاوة “الشهادتين”، كأنهم يحاولون إرغامه على تذكرة دخول للآخرة لا تعترف بمذهبه ولا دينه. ثم يُنفَّذ فيه “الحكم”، إما نحرًا كأنهم يذبحون بهيمة، أو ركلًا حتى الموت، كأن جسده لا يستحق رصاصة. رأينا جماعات تحمل السلاح بلا قانون ولا يعترفون بالاقليات، يذبحون، ويمثّلون بجثث القتلى، ويعلّقون الرؤوس على أسوار القرى، كأنها مشاهد مستخرجة من كوابيس التاريخ المرعبة البربرية الوحشية الظلامية.
في سويسرا، قد يُسجن المتهم، لكن لا يُكسر إنسانيًا. أما في سوريا الجولاني، فالقتل ليس النهاية، بل البداية: بداية التمثيل، بداية الرعب، بداية عصر لا قانون فيه سوى قانون الغاب. الدولة هي التي تحترم مواطنيها الفقراء قبل الاغنياء والضعفاء قبل الاقوياء، والاقلية المغلوب على امرها قبل الاكثرية، ليست الدولة التي ترى في الاختلاف مبررًا للعقوبة، وفي الاختلاف السياسي جريمة، وفي الآخر كفرًا يستحق القتل.
وليد بيك، هذا المقال أرجو أن تقبله بكل محبة ومعرفة ونبل كبير منك، لأننا أبناء حقل من السنابل والعشيرة الكبيرة التي تجمع المعرفة، وأكتبه لحضرتك في ورقة بيضاء ومن قلب ابيض وعقل متنور اعتلى السلالم وان لم اصل الى عتبة العمر#. لأقول لحضرتك بأنني لست مع ما تفضلت به، مع أنني في بادئ الأمر كتبت ووقفت إلى جانبكم وشجعت على طروحاتكم لأنني أعرف مكانتكم الكبيرة في العالم، لكن يبدو أن ما تحدثت فيه مع الشرع ذهب ادراج الرياح المحيطة فيه في دولة تحكمها عقليات لعرقيات البانية وشيشانية وقوقازية غريبة عنا.
وليد بيك جنبلاط، المهم بقاء الحرية الفردية ولا تنحر مرتين على محراب التاريخ والمستقبل.
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.