السياسيةجبيلجبيل المدينةجبيليات وكسروانيات

أسعد رشدان: فنان يقف على حافة العالم، ورسام يغمس ريشته في وجع الوطن، البوم صور.

أسعد رشدان: فنان يقف على حافة العالم، ورسام يغمس ريشته في وجع الوطن
بقلم ناجي علي امهز
في زمن تتشابه فيه الوجوه وتتنكر المواقف، ينهض رجل اسمه أسعد رشدان. لا كبطل في الدراما فحسب، بل كمفكر حالم، ممثل يُمسك بالنص كما يُمسك الرسام بريشته، يرسم به مشهدًا لا يمكن نسيانه.
هذا ليس مجرد فنان، بل هو لوحة متحركة، تارةً تعبر المسرح كعاصفة، وتارةً تنزوي خلف ستارة لتتأمل صمت العالم.
أسعد رشدان… يشبه لبنان الذي لا نعرفه.
لبنان الغضب، لبنان الجمال، لبنان الحرية التي لا تتسول التصفيق.

Video preview

المسرح: حين يتكلم الجسد نيابة عن الوطن
أسعد على المسرح ككاهن في طقوس مقدسة. لا يمثل. بل يحيا الدور حتى آخر تنهيدة.
تسمعه يصرخ، فتعتقد أن النص يبكي.
تراه صامتًا، فتحس أن الجدران تتكلم.
من “الهيبة” إلى “أمير الليل”، مر بأسلاك الشوك بين الكوميديا السوداء والتراجيديا الحارقة، كأنه يقول لنا:
“التمثيل لا ان تمثل بل ان تتمثل بالدور خيره وشره، فان كرهوك بدورك الشرير فانت عظيم لانك اثبت لهم ان الشر شيء منفر ومسيء، وان احبوك بدور الخير فانت اعظم لانك ابقظت في الروح روح الخير..”
كاريزما أسعد رشدان لا تُختصر بحضوره، بل في تلك النار الخفيّة خلف العيون. الممثل الذي يؤدي كأنه يحاكم زمنًا، لا يجامل، لا يهادن، ولا يبيع.

الريشة: من صخب المسرح إلى سكينة المرسم
هناك، في ذلك المرسم الساكن، يظهر رجل آخر.
رجل لا يحتاج إلى جمهور، فقط يحتاج إلى لون.
إلى وجه عجوز في الضيعة، إلى حائط حجري في عمشيت، إلى شجرة زيتون تنظر للبحر بحسرة.
رشدان لا يرسم من أجل الجمال، بل من أجل المعنى.
لوحاته ليست لزينة الجدران، بل شهادة حياة.
هي تلك الذاكرة التي لم يشترها أحد.
الرسم عنده طقس مقدّس، كأنه يصلي بريشة، ويكفر عن خطايا العصر بألوان مستعارة من الطبيعة وحنين الطفولة.
أن يتتلمذ على يد بول غيراغوسيان وجوزف مطر، يعني أن ترث المدرسة اللبنانية لا كفنًا بل كتمرد.

السياسة: الممثل الذي لم يبتلع لسانه
في بلد يصرخ فيه الجميع ولا يسمع أحد، قرر رشدان أن لا يصمت.
قال كلمته، وسط وابل من التهديدات والتشويش والتشويه.
ترشح للانتخابات، لا ليكسب مقعدًا، بل ليكسر الطاولة، ليقول:
“أنا الفنان… أنا المواطن… وأنا لبنان!”
موقفه السياسي امتداد لفنه، لا زينة له.
كلمته موقف، وصمته موقف، ولوحته موقف.
حين يرسم، يرسم وطنًا لم يعد يشبه صورته.
وحين يمثل، يمثل وجع الناس الذين فقدوا القدرة على الحلم.

النتيجة: رجل من زمن الفن والموقف
أسعد رشدان ليس نجمًا، بل كوكبًا له مدارٌ خاص.
لا يشبه أحدًا، ولا يقلد أحدًا، ولا يعتذر عن فنه ولا موقفه.
إنه رجل عاشق للحرية، عاشق للبشر، عاشق للحقيقة، حتى لو كلفه ذلك العزلة.
هو الممثل الذي لا ينتظر ان تصنع منه الكاميرا أسطورة، بل ان تنقل تعابيره كما هي الى الجمهور.
وهو الرسام الذي لو سكت، لنامت ريشته في إطار منسي. لكن يخجل ان لا يحاكي القماشة اليضاء بانامله.
انه اختار أن يكون… بكل ما فيه من تناقض، ومن وحدة، ومن عناد.

أسعد رشدان ليس خبر ينشر، بل مشهد يُعاش.
هو ذلك الفنّان الذي إن نظرت إلى وجهه، شعرت أنك تقرأ فصلًا من كتاب لبنان الممنوع.
وإن سمعت صوته، أدركت أنك تستمع إلى شخص سيقول ما يشعر او يريد ان يقوله، بعيدا عما تفكر فيه او تعتقده.
هو هكذا، وهكذا تُكتب الاسماء الكبيرة…
لا في صفحات التاريخ، بل في صفحات الحياة اليومية لفنان مبدع متألق خلاق، يجسد كل شيء امامك كانه بداخله الف روح والف شخص، كما يرسم لكل لوحة قصة، لا يجرؤ أحد على رسمها.

زر الذهاب إلى الأعلى