
نحن اليوم على مشارف انتخابات بلدية، وهي مناسبة أساسية لاختيار من يتولّى إدارة شؤون بلداتنا ومناطقنا، ضمن ما يُعرف بالحكم المحلي. وغالبًا ما يُقلّل البعض من أهمية هذا النوع من الانتخابات، رغم أن البلديات تمثّل السلطة الأقرب إلى الناس، وهي المعنية بخدمتهم اليومية، من البنية التحتية والنظافة والإنارة، إلى التخطيط العمراني والتنمية المحلية.
إنّ العمل البلدي ليس وظيفة إدارية، بل مسؤولية مجتمعية وتنموية من الطراز الأول، ومن هنا، يجب أن يكون خيار الناخبين والناخبات دقيقًا ومدروسًا، لمصلحة بلدتهم ومحيطهم، بعيدًا عن الحسابات الشخصية أو الطائفية أو العائلية الضيقة.
العملية الانتخابية، سواء كانت بلدية أو نيابية، ليست مجرد مناسبة لاختيار أسماء على ورقة اقتراع، بل هي فعلٌ ديمقراطي يتطلّب وعيًا عميقًا من الناخبين والناخبات. فالانتخابات هي إحدى أهم أدوات بناء دولة المؤسسات، وهي السبيل لتحقيق التغيير الحقيقي، شرط أن يكون الشعب على دراية بدورهم ومسؤوليتهم في هذه العملية.
عندما نرشّح أنفسنا للخدمة في مواقع القرار، فإنّنا لا نتوجّه فقط إلى صناديق الاقتراع، بل نتوجّه إلى وعي الناس. من هنا، يجب أن يكون الناخبون والناخبات على معرفة بدور المنصب الذي ينتخبون له، وبما يستطيع المرشح أو المرشحة تقديمه ضمن هذا الدور تحديدًا.
والتوعية الانتخابية ليست مسؤولية المرشحين وحدهم، بل هي مسؤولية الدولة. من واجب المؤسسات الرسمية أن تعمل على تثقيف المجتمع سياسيًا، وأن تشرح للناس – بكل بساطة ووضوح – كيف تُدار العملية الانتخابية، وما أهمية كل صوت، وكيف يمكن أن يترجم هذا الصوت إلى تغيير ملموس.
للأسف، كثير من الحملات الانتخابية تُستهلك في شرح كيفية الاقتراع، بدل أن تركّز على البرنامج الانتخابي، وعلى الرؤية التي يحملها المرشحون والمرشحات. وقد وجدتُ نفسي، خلال تجربتي في الترشح، أقوم بهذه المهمة التوعوية بدلًا من أن أركّز فقط على ما أنوي تقديمه في حال فوزي.
إذا أردنا بناء دولة عادلة، حديثة، قائمة على الشفافية والمساءلة، فإننا بحاجة إلى وعي انتخابي جماعي، وإلى تكاتف المجتمع بكل مكوّناته. هذا الوعي لا يمكن أن يكون موسميًا، بل يجب أن يكون متجذرًا ومدعومًا بشكل ممنهج من قبل الدولة، عبر المدارس، والإعلام، والمجتمع المدني.
إنّ البلديات ليست مجرّد مجالس محلية، بل هي عماد الإنماء الحقيقي، وإذا أُحسن الاختيار، تحوّلت إلى رافعة اقتصادية واجتماعية حقيقية لكل بلدة.
لننهض بوطننا، علينا أن ننهض أولاً بثقافتنا الانتخابية.
بقلم خلود وتار قاسم
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.