
في القرن الحادي والعشرين، وبينما تتسابق دول العالم في ابتكار تقنيات الذكاء الاصطناعي والبحث في آفاق الفضاء، تموت غزة من الجوع. تموت بصمت، في ظلّ عالم يرى ولا يتحرك، يسمع ولا يستجيب، وكأن أرواح أطفالها ونسائها لا تساوي شيئًا في ميزان الإنسانية.
لقد تجاوز الوضع في غزة حدود الكارثة، فلم يعد الأمر يتعلق بنقص في الغذاء أو تعطّل في سلاسل التوريد، بل بمجاعة حقيقية تتفشّى بين المدنيين المحاصرين منذ شهور. تُحرم النساء من تأمين الحليب لأطفالهن، ويقف الآباء عاجزين أمام بطون صغارهم الخاوية، في مشهد يُمزّق القلوب ويُخجل الضمير العالمي.
ليس من المبالغة القول إن الجوع أصبح سلاحًا يُستخدم بوحشية ضد شعب أعزل. فتحت الأنقاض، في الملاجئ، في المخيمات، يموت الناس ببطء، لا فقط من القصف، بل من نقص الخبز، والماء، والدواء، ومن صمت العالم.
في هذا القرن الذي يدّعي فيه العالم التقدّم، أين هي قلوبنا؟ أين ضمائرنا التي كان من المفترض أن تتحرّك أمام هذا القهر؟ كيف نسمح لعالمنا أن يغلق عينيه وأذنيه عن صرخات أطفال غزة، وهم يتضورون جوعًا، ويموتون بصمت في ظلّ صمتنا؟
هل باتت الأرواح في غزة سلعة تُشترى وتُباع؟ هل صارت دماء أطفالها تذكرة سفر لأحلامنا الزائفة بالسلام والإنسانية؟
أيها العالم، هل ننتظر حتى ترى أطفال غزة يتساقطون كأوراق الخريف، حتى نقرر أن نتحرّك؟ لا، لا وقت للانتظار، لا وقت للشكوى، لا وقت للصمت!
هذه ليست قضية شعب وحيد، هذه قضية كل إنسان يحمل في قلبه بذرة إنسانية. إذا كنت تملك ذرة رحمة، فلتكن صوتًا لمن لا صوت لهم، لوجه العدالة وسط الظلام، لنبض الحياة في قلوب المحاصرين.
غزة تناديك الآن، فلا تخذلها. افتح الأبواب، أرسل الطعام، انشر الحقيقة، وكن القلم الذي يكتب نهاية لهذا العار الإنساني.
إذا لم تفعل، فلتعلم أنك شريك في الجريمة، وصمتك شهادة موت على ضمير البشرية.
أمام هذه المأساة، لا يُطلب منّا أكثر من أن نكون بشرًا. أن نرفع الصوت، نكتب، نُحاور، نُطالب بفتح الممرّات الإنسانية فورًا، بإدخال المساعدات دون قيد أو شرط، وبمحاسبة كل من يجعل من الجوع أداةً للإبادة.
غزة لا تطلب معجزة. تطلب فقط أن يُسمع صوتها، وأن يُنقذ أطفالها قبل أن يتحوّل صراخهم إلى صمت نهائي.
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس رأي الموقع، شكرا على المتابعة.