.

انتصار تموز 2006 بعيون عراقية

بغداد – عادل الجبوري

لا يختلف اثنان على حقيقة أن انتصارات المقاومة الوطنية اللبنانية في حرب تموز 2006 شكلت انعطافة تاريخية مهمة في مسيرة الصراع الطويلة مع الكيان الصهيوني الغاصب، وأنها تركت بصمة مميزة لا يمكن لأي كان أن يتجاهلها أو يغفل عنها.

وقد حظيت تلك الانتصارات في حينها وفيما بعد باهتمام كبير من قبل أوساط ومحافل وفاعليات ونخب سياسية وأمنية وعسكرية واعلامية وأكاديمية مختلفة، وخضعت للكثير من التحليل للوقوف على كل أبعادها ومعطياتها.

واليوم بعد مرور سبعة عشر عامًا على الحاق هزيمة منكرة بجيش الكيان الصهيوني الذي كان يوصف بأنه “لا يقهر”، على أيدي رجال المقاومة الوطنية اللبنانية، نستذكر هذا الحدث التاريخي ونطل عليه بعيون عراقية.

حرب تموز كسرت هيبة الكيان الصهيوني

وفي هذا الشأن، يشير الكاتب والإعلامي العراقي حافظ آل بشارة متحدثا لموقع “العهد” الاخباري الى أن حزب الله استطاع التحكم ببدايات ونهايات حرب تموز 2006، فهو أوجد معادلة توازن تساعده على استعادة أسراه السابقين لدى العدو، ثم تحكم بنهاية الحرب عندما خرج منها منتصرًا وخرج الكيان المؤقت مهزومًا، بينما كانت الحروب العربية مع “اسرائيل” خاصة حرب 1967، قد انتهت باحتلال “اسرائيل” لمناطق جديدة.

ويؤكد ال بشارة، أن انتصار حزب الله أوجد انعطافًا كبيرًا في التفكير الصهيوني، وتحولت “اسرائيل” من بؤرة توسعية إلى كيان محصور ومطوق بالكتل الكونكريتية، ومنذ انتصار حزب الله بدأ الانتصار ينعكس على المقاومة الفلسطينية، فمن ثورة الحجارة الى البندقية الى الصواريخ في عملية سيف القدس، وسيكون المستقبل أشد على الصهاينة.

انتصارات تموز عززت جبهة المقاومة

أما الأكاديمي والأستاذ الجامعي الدكتور صلاح الاركوازي، فيستهل حديثه عن حرب تموز 2006 بالآية الكريمة (ومنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا)، ويقول إن الألسن والأقلام لتعجز عن وصف حرب تموز التي أسقطت كل معادلات الحروب التقليدية والحديثة على أيدي فتية آمنوا بربّهم، لينعم الله عليهم بنصرين، نصر مادي ونصر معنوي، وبهما أسقطوا أسطورة الجيش الذي لا يقهر وأسطورة الميركافا وكل الأساطير، وهنا دخل العدو وأبواقه من باب أكثر خبثًا، وهو باب الحرب الناعمة، حيث إن المراقب للحرب الناعمة ضد حزب الله بعد حرب تموز يلاحظ جهداً إضافياً بذل من أجل “إقناع” اللبنانيين بمسألتين تتعلقان بتحميل حزب الله مسؤولية خسائر الحرب المباشرة والكارثة الاقتصادية التي انفجرت في عام 2019.

وبحسب الاركوازي، فإن هذه كسابقتها لم ولن تنجح، قائلا: نعم ربما تكون قد تركت ندوبا هنا وهناك، لكن هذا لم يقلل من شموخ وصلابة هؤلاء الفتية، فقد حولت هذه الحرب حزب الله الى لاعب اقليمي أساسي ورقم صعب في المعادلات الاقليمية وحتى الدولية.

ويشير إلى أنه حينما لم تنجح هذه الأساليب لجأ العدو إلى أسلوب آخر أكثر خبثا ودناءة، فقد انبرت وسائل إعلام ومعها سياسيون وناشطون وجيوش إلكترونية للتبخيس من قيمة الانتصار. والملاحظ أن هذه السردية تتكثف في الفضاء العام بالتزامن مع ذكرى حرب تموز أو التحرير أو الانتصار على الإرهاب التكفيري، وتركز على دفع الناس إلى عدم إحياء هذه المناسبات وإفراغها من معناها ومن دلالاتها بحجة أن الناس جائعة! كذلك من المهم الإشارة إلى أن هنالك مسألة أخرى بدأ العدو يحسب لها الف حساب، لا سيما بعد أن أكد السيد نصر الله أنّ “اعتماد حزب الله سياسة الصمت كجزء من إدارة المعركة مع العدو أفضل، وهي تقلق العدو وترعبه قطعاً”.
ويضيف الدكتور صلاح الاركوازي في حديثه لموقع “العهد”: لقد استمرت حرب تموز 33 يوماً ولم يسلم منها لا البشر ولا الحجر ولا الشيخ ولا الطفل ولا المرأة، ليخرج لبنان بقيادة حزب الله وقائده السيد حسن نصر الله منتصراً على عدو كانوا يقولون من الصعب هزيمته، وبالتالي تحقق نصر تاريخي كبير سيذكر على مر الأجيال، وأصبحت المقاومة منارة لكل المستضعفين.

حرب تموز كشفت خواء الكيان الغاصب

من جانبه، أكد رسام الكاريكاتير والكاتب الصحفي علي عاتب لـ”العهد”، أن حرب تموز ٢٠٠٦ كشفت حقيقة قوة الكيان الصهيوني الغاصب، بعيدًا عن الشعارات الفارغة والتبجحات والادعاءات الزائفة، إذ إنه لم يستطع على مدار أكثر من شهر من القتال أن يحقّق الحسم العسكري، كما تنص عليه عقيدته العسكرية وما يتوقّعه المستوطنون من جيش الكيان، وهو ما عبر عنه نائب رئيس أركان جيش العدو آنذاك، بقوله: “لم يفعل الجيش خيراً في الحرب، ولم نقم بالمهمّة. كل ما فعلناه لم نفعله بشكل صحيح وجيد”، في اعتراف صريح بفشل مقارعة ترسانتهم العسكرية الضخمة أمام أبطال مجاهدي حزب الله، وكسر الصورة النمطية عن أنه (جيش لا يقهر) كما كان يروج له الاعلام الغربي، بل أبدى مقاتلوه سرعة فائقة في سباق ماراثوني للظفر بأرواحهم والفرار من كمائن ونيران حزب الله.

انتصارات المقاومة انعطافة في مسيرة المواجهة

“تعتبر حرب تموز عام 2006 الركيزة الأساسية التي حولت مسار الحرب الصهيونية على شعب لبنان من خندق مقاوم إلى خندق مقاوم ومهاجم في وقت واحد”، هذا ما استهل به حديثه لموقع “العهد” المحلل السياسي قاسم سلمان العبودي، قائلًا “فشل الكيان في الحصول على مبتغاه فشلًا ذريعا بسبب صمود حزب الله في ساحة المواجهة. حرب تموز عام 2006 افرزت جملة معطيات رسمت مسار التاريخ المقاوم بين أبطال حزب الله والعدو الصهيوني، ومن بين تلك المعطيات:

*انتقال المحور اللبناني من الدفاع الى الهجوم، وقد أعطى هذا الانتقال الايجابي زخماً كبيراً للمقاومة في جميع بلدان المحور، وقد انعكس ذلك بشكلٍ واضح جدا في مسار التفاوض اللبناني مع العدو الصهيوني في مرحلة لاحقة.

*خلق ساحة اشتباك جديدة مع العدو الصهيوني الذي تعود على انتهاك السيادة اللبنانية وتهديد الأمن القومي اللبناني، ووضع شروطهُ المجحفه بحق الشعب، الذي لم يتعود سابقاً على المجازفة بالصراع مع الجانب الاسرائيلي، خصوصاً أن هناك أدوات اسرائيلية كبيرة جدا في الساحة السياسية اللبنانية التي تدعى الانتماء إلى الوطن، وهي تروج لعدم الانجرار الى حرب مع “إسرائيل”، كون القوة غير متكافئة بحسب نظرتهم الضيقة للأمور، فضلاً عن ايغالهم بالعمالة للجانب الصهيوني.

*وصول صواريخ حزب الله إلى العمق الصهيوني أثار هلع الأحزاب المعارضة في الكيان الصهيوني التي رفعت عقيرتها من أجل لجم الاحتلال الصهيوني من المجازفة في حروب عبثية مع رجال حزب الله، والتي أخذت تهدد الأمن القومي للكيان الغاصب وفق المعطيات الجديدة التي راحت تتضح وتتبلور ملامحها بعد حرب تموز.

*شكلت حرب تموز انعطافة كبرى في مسيرة المقاومة الاسلامية في فلسطين المحتلة، وأعطتها زخماً كبيراً في المواجهة العسكرية مع الكيان الصهيوني، وقد تجلى ذلك واضحاً في المواجهات الدامية التي وقعت بعد حرب تموز، وقد تفاجأ العدو الصهيوني كثيراً عندما رأى التكتيك العسكري الفلسطيني ونوعية المواجهة التي أجبرتهُ أكثر من مرة على التقهقر وإيقاف العدوان من طرف واحد”.

بعبارة أخرى، بحسب كلام العبودي، أفرغت حرب تموز شحنات الخوف من صدور بعض الشعوب المستضعفة في منطقة الشرق الاوسط وغرب آسيا وأمدتها بطاقة المواجهة مع قوى الاستكبار العالمي، والتي أرغمتها على التراجع مثلما حصل في حرب اليمن مع القوى الكبرى وأدواتها الخليجية، وصمود الجبهتين السورية والعراقية في وجه الارهاب الداعشي. وكل ذلك كان بفضل دعم واسناد الجمهورية الاسلامية الايرانية لكل شعوب محور المقاومة.

انتصارات تموز وجهت ضربة قاصمة لاتفاقيات السلام المذلة

أما نائب رئيس مركز افق للدراسات والتحليل السياسي ماجد الشويلي، فقد أكد في حديثه لـ”العهد”، أن الانتصارات التاريخية في حرب تموز 2006 عززت جبهة المقاومة وغيرت موازين القوى لصالحها.  

وحدد الشويلي جملة نقاط، مثلت أبرز نتائج وحقائق ومعطيات الانتصار في حرب تموز، ومنها:   

*تمكن حزب الله من تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر التي أسس لها الغرب وحاول ترسيخها كحقيقة تلزم العرب والمسلمين الاذعان لها.

*تأكيد صوابية منهج المقاومة في التصدي للكيان الصهيوني الغاصب.

*أكد هذا الانتصار امكانية الحاق الهزيمة الكبرى بـ”اسرائيل” وطرد الصهاينة من المنطقة.

*وجه ضربة قاصمة لاتفاقيات السلام المذلة بين بعض الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، وفضح انهزامية وعمالة بعض الحكام العرب.

*وسع الحاضنة الاجتماعية للمقاومة التي مثلت سندًا معنويًا وعمقًا استراتيجيًا في معادلات الصراع والمواجهة.  

*أحدث تحولًا في نظرة المجتمع الدولي الى الكيان الصهيوني المجرم.

*أكسب المقاومة المزيد من احترام العديد من البلدان والشعوب في مختلف أنحاء العالم.

* دفع محور المقاومة بقيادة الجمهورية الاسلامية إلى تكرار تجربة حزب الله في البلدان الأخرى لمواجهة المشاريع الصهيو – اميركية.

*كان سببًا لتعزيز دور الجمهورية الاسلامية الايرانية في مواجهة الاستكبار العالمي، وكذلك تعزيز روح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني المقاوم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى