.

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 25-8-2023

 

نص الخطبة

نعزيكم ونعزي جميع المسلمين بذكرى شهادة سبط رسول الله ( صلى الله عليه وآله) الإمام الثاني من ائمة اهل البيت الامام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) الذي كانت شهادته في السابع من شهر صفر في سنة 49 للهجرة

الامام الحسن المجتبى(ع) كان صورة عن جده المصطفى(ص) وقد ربى في شخصيته العديد من الصفات والخصائص الروحية والاخلاقية والاجتماعية، وساتحدث في هذه الخطبة باختصارعن ثلاث صفات من صفاته السامية :

1-خشيته من الله:

يروي المؤرخون أن الإمام الحسن (ع) كان إذا توضأ للصلاة اصفر لونه، وارتعدت فرائصه، وكان إذا وقف على باب المسجد، وقف وقفة الذليل المستكين، وقال: «إلهي مسكينك ببابك، أسيرك بفنائك يا محسن قد أتاك المسيء، أنت المحسن وأنا المسيء، يا محسن تجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم» لماذا يصفر لون الإمام الحسن وترتعد فرائصه وهو نقي تقي معصوم مطهر من الرجس، وهو واحد من الذين قال الله عنهم: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا﴾ فهل كان الإمام الحسن يخاف الحساب والعقاب وعذاب النار ؟.

هناك فرق بين الخوف، وبين الخشية، القرآن الكريم فرق بين هاذين المصطلحين، قال في وصف الأولياء الأتقياء ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ وقال في وصف العلماء ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ فهناك خوف، وهناك خشية، وفرق بين الخوف والخشية.

الخوف: هو الانفعال الناشئ عن توقع الألم، من يتوقع ألما ينفعل، فهذا الانفعال النفسي الناشئ عن توقع الألم يسمى الخوف، الإنسان الذي يصدر منه الذنب وتصدر منه المعصية، لأنه يتوقع حسابا ويتوقع ألما، ويتوقع عقابا، لذلك يصاب بالقشعريرة، بالانفعال النفسي، هذا يسمى خوف.

الخشية: هي الخضوع الناشئ عن إدراك العظمة، من أدرك عظمة إنسان، فخشع له، كان خشوعه خشية وليس خوفا، الخشية لا تعني توقع ألم، مثلا: عندما تدخل على أحد العلماء العظام، فتصاب بالخضوع والهيبة والإجلال له، هذه خشية وليست خوفا، الخشية خضوع ناشئ عن عظمة، لذلك كانت الخشية من صفات العلماء، لأن العلماء بالله كلما تكاملت علومهم، وارتفعت درجاتهم في معرفة الله تبارك وتعالى، كان إدراكهم لعظمة الله تعالى أكبر، فكان الخضوع الناشئ عن إدراك عظمة الله أكثر سيطرة، وأكثر هيمنة على قلوبهم وعلى مشاعرهم ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ والحسن من أوضح مصاديق العلماء، فكان ما يعتريه، وما يتجسد من خلال عبادته، هو من مظاهر الخشية، وليس من مظاهر الخوف.

2-خلقه الرفيع:

كان الإمام الحسن (ع) صورة أخرى عن جده رسول الله في هيبته وأخلاقه ، ولذلك استحق ذلك الوسام النبوي عندما قال له النبي (صلى الله عليه وآله): أشبهت خلقي وخلقي.

وكان معروفا بوقاره وهيبته واخلاقه.

قال عنه واصل ابن عطاء: كان عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك وكان إذا جلس على قارعة الطريق امتنع المارة هيبة له وجلالا، فإذا عرف ذلك دخل داره.

كان قمة في التواضع، وروي انه مر على فقراء يأكلون كسر الخبز اليابسة فقالوا له: تفضل يا أبا محمد وتغذى معنا، فقال: إن الله لا يحب المتكبرين، ونزل من على جواده وجلس معهم وجلس معهم على بساطهم المتواضع وأكل من كسر الخبز اليابسة التي يأكلون منها وعاش أجوائهم، أجواء الاضطهاد والحرمان ثم دعاهم إلى منزله فأكرمهم وأغدق عليهم من عطاءه وفضله، هذه صورة من خلقة.

وهناك صورة أخرى من اخلاقه العظيمة ، فقد جاء رجل شامي إلى المدينة فلفتته  شخصية الحسن وهيبته ووقاره فقال: من هذا؟، قالوا: هذا الحسن ابن علي ابن أبي طالب وابن رسول الله، فلما عرف أن أباه أمير المؤمنين شتمه وشتم أباه لأنه كان معبئاً ضد اهل البيت بالإعلام الأموي الذي كان يحرض على اهل البيت ويعمل على تشويه صورتهم وشخصياتهم من أجل ابعاد الأمة عنهم وايجاد شرخ بينها وبين قادتها الحقيقيين، الإمام الحسن سكت عنه حتى انتهى من سبابه وشتمه، ألتفت إليه قال: يا هذا أظنك غريباً ولعلك اشتبهت فينا فإن كنت طريداً آويناك وإن كنت جائعاً أشبعناك وإن كنت عطشاناً أرويناك فهل لا حولت رحلك إلينا ونزلت ضيفاً علينا؟ فإن لنا منزلاً رحبا وجاهاً عريضا ومالاً وفيرا، فما تمالك الرجل حتى انكب عليه يقبله وأصبح من الموالين لأبيه أمير المؤمنين.

وخلق الإمام الحسن لم يكن مجرد طبع وسجية ، بل كان فعلاً رساليا هادفاً ، كان خلقه رسالة يقوم بها من أجل استقطاب الأمة إلى خط أهل البيت (ع) تماما كما كان جده المصطفى(ص) حيث كان خلقه العظيم وسيلة من وسائل الدعوة إلى الإسلام وهداية الناس وتحبيب الناس بالإيمان وقيم الاسلام، كما قال القرآن الكريم: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾ هكذا كان الإمام الحسن، كان خلقه أسلوباً من أساليب الدعوة إلى الرسالة والى نهج الامامة ومنهج أهل البيت (ع).

وقد امر ائمة اهل البيت(ع) شيعتهم ان يدعو الناس الى نهجهم باخلاقهم وسلوكهم ان يعتمدواعلى الأخلاق كعنصرقوة لإقناع الآخرين بقيم الاسلام ونهج اهل البيت ومشروعهم الايماني والجهادي ، فمدرسة اهل البيت(ع) تعتمد على الأخلاق والسلوك في علاقاتها مع الآخرين وفي اقناع الاخرين بالاسلام،  هذه المدرسة لا تحتاج إلى أن تتحدث عن نفسها (عن نهجها عن دينها عن قيمها عن قضيتها) لتقنع الاخرين بما عندها من قيم وقضايا ومشاريع ونماذج!  وإنما تدع اخلاقها وسلوكها وإنجازاتها تتحدث عنها!

وإلى هذا المعنى يشير  الامام الصادق(ع) في الكثير من الاحاديث فهو يوصي شيعته ومن يلتزم بنهجه أن لا يشغلوا أنفسهم بالحديث عن دينهم وتقواهم والتزاماتهم وأخلاقهم ليثبتوا إنتماءهم! وإنما يدعوهم إلى التقيد بالاخلاق الاسلامية الرفيعة وبالسلوك الحسن في المجتمع.

فالإمام الصادق (عليه السلام) يقول: كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية

وعنه (عليه السلام): كونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زينا ولا تكونوا شينا .

وعنه (ع)، أنه أوصى بعض شيعته فقال لهم : كونوا لنا دعاة صامتين.

قالوا : وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ هؤلاء استغربوا كيف نكون دعاة صامتين لا نتكلم ؟

قال : تعملون بما أمرناكم به من طاعة الله وتنتهون عما نهيناكم عنه من معاصيه ، (هذا معنى الصمت، ان تعمل ، واذا تكلمت ان تعمل بما قلت وان تلتزم بما قلت ) فاذا رأى الناس ما أنتم عليه علموا فضل ما عندنا فسارعوا إليه.

أشهد لقد سمعت أبي عليه‌ السلام يقول : شيعتنا فيما مضى خير من كان ، إن كان امام مسجد في الحي كان منهم ، وان كان مؤذن في القبيلة كان منهم ، وان كان موضع وديعة وأمانة كان منهم ، وان كان عالم يقصد إليه الناس لدينهم ومصالح امورهم كان منهم ، فكونوا أنتم كذلك ، حبّبونا الى الناس ، ولا تبغّضونا إليهم.

وعنه (عليه السلام): أي مفضل! قل لشيعتنا: كونوا دعاة إلينا بالكف عن محارم الله واجتناب معاصيه، واتباع رضوانه، فإنهم إذا كانوا كذلك كان الناس إلينا مسارعين. السلوك الحسن والعمل الصالح والإنجاز السليم، إذن، هو الداعيةالذي يقنع الرأي العام بصواب االمشروع، وليس الادعاءات الخاوية والخطابات الفارغة من المحتوى

والشعارات البراقة المخادعة التي لا تغني ولا تسمن من جوع!.

اتباع اهل البيت الحقيقيين اخلاقهم وافعالهم الحسنة وسلوكهم الانساني هي التي تتحدث عن شخصيتهم وإنتمائهم!  وعندما يكون سلوكهم منسجما مع اخلاق الاسلام فانهم بذلك يكونون دعاة للدين ولمدرسة  اهل البيت بصمت بعيدا عن التهريج والضوضاء وصخب الخطابات كما يفعل كثيرون!.

قد يتحدث البعض للناس عن الدين او ينظر بقيم الدين ولكنه لا دين له! او يعظ الناس ويتحدث عن الاخلاق  أمام الناس ولكنه  لا أخلاق له! او يدعو الناس الى التقوى ولكنه

لا يمتلك ذرة من تقوى!. الصادق هو الذي تحدثنا أفعاله عن دينه وسلوكياته واخلاقه عن التزامه الاخلاقي  وافعاله وإنجازاته عن مصداقيته  ونحن نرى البعض ممن يدعي قولا حبه للدين وانتسابه لخط اهل البيت ولكن يتناقض فعله مع قوله واخلاقه وسلوكه

 

مع إنتمائه!.يتحدثون عن النزاهة وهم أفسد الناس! ويتحدثون عن النجاح وهم أفشل الناس! ويتحدثون عن التقوى والورع والإيمان وهم لا يتصفون بشيء من ذلك

بل احيانا يكون سلوكهم مسيئا للدين وللمجتمع المتدين.

 

3-احساسه بمعاناة المجتمع:

فقد تربى الإمام الحسن(ع)في ظل جده(ص) وابيه(ع) على الإحساس بآلام المجتمع ومعاناته ومآسيه وبآلام المحرومين والفقراء والمضطهدين والمظلومين والمحاصرين.

كان الضمير الحي الذي يشعر بآلام الناس، ولذلك كان(ع)  يبادر منذ صغره إلى الصدقة والعطاء وإسعاف الفقراء والمساكين كما قال تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً﴾.

لقد لقب «بكريم أهل البيت» لأنه كان كان مثالا في الكرم والسخاء والاحسان كان مصدراً للعطاء ومصدراً للخير ومصدراً للبركة على مجتمعه.

لم يكن كرم الإمام الحسن إسرافاً ولا تبذيراً ولا تضييعاً للمال ولا وضعاً له في غير مواضعه

كان كرمه إغاثةً لمجتمع منكوب، المجتمع الإسلامي في عصر معاوية أبن أبي سفيان كان مجتمعاً مظلوما ومحاصرا، الدولة الأموية تلاعبت بثروات المسلمين وسلبت اموالهم وكانت مليئةً بالفساد الإداري والتلاعب بالثروات وقد مارست الحصار الاقتصادي على شيعة أهل البيت (ع) فعاش الشيعة ظروفا صعبة في تلك المرحلة.

ويروي الإمام الباقر(ع)  لنا ماتعرض له اتباع اهل البيت في تلك الظروف الصعبة فيقول: فقتلت شيعتنا في كل أرضٍ ونهبت الأموال وهدمت الدور وكان من يوالي أمير المؤمنين(ع)  يؤمر به كما أمر معاوية واليه على العراق قال: أنظر من كان يتولى أبا تراب فامحو اسمه من الديوان واقطع رزقه وضيق عليه معاشه.

هذا الحصار الاقتصادي الذي مارسته الدولة الأموية جعل المجتمع الإسلامي مجتمعاً منكوباً ويعيش تحت خط الفقر ويحتاج إلى من يخفف من معاناته والامه ويعينه على الصمود والثبات والصبر ومواجهة هذا التحدي، وأهل البيت(ع)  الذين كانوا يتحملون مسؤولية الأمة كانوا يقومون بذلك ويعملون على مساعدة الناس وإغاثتهم وإنقاذهم بكل الوسائل المتاحة من اجل ان يثبوا ولا يستسلوا في هذه المواجهة بينهم وبين الظالمين والمستكبرين.

سياسة العقوبات والحصار والتجويع هي سياسة قديمة جديدة  يستخدمها المستكبرون من اجل اخضاع الشعوب وبهدف السيطرة والهيمنة.

هذه السياسة استخدمتها الحكومات الظالمة عبر التاريخ وتستخدمها اميركا اليوم ضد الشعوب والدول الرافضة للخضوع من اجل فرض شروطها واملاءاتها فهي تفرض الحصار والعقوبات على ايران وسوريا واليمن ولبنان وفنزويلا وروسيا وغيرها من الدول التي ترفض الاستسلام والخضوع للسياسات الامريكية

واليوم استمرار وتعزيز التواجد الامريكي في شمال شرقي سوريا انما هو لحماية ما تبقى من داعش وتشديد الحصار على سوريا وليس هناك من خيار امام الشعب السوري سوى مواصلة الصمود والثبات في هذه المواجهة لافشال المخطط الاميركي ونحن على ثقة بأن الشعب السوري والقيادة السورية سيتجاوزون هذه المرحلة دون خضوع واستسلام.

اما نحن في لبنان فالحصار الذي اعتمدته الادارة الامريكية ضد لبنان من اجل الضغط على بيئة المقاومة فشل بفعل الصبر والثبات، وفشلوا ايضا بتحريض البيئة الخاصة والعامة خلال كل المراحل السابقة بالرغم من انفاق مليارات الدولارات لتشويه صورة المقاومة، واليوم سيفشلون مجددا ولن ينفعهم التحريض والتضليل والكذب، ولن تثنينا الحملات الاعلامية الخبيثة عن التمسك بسلاح المقاومة والعمل بما تمليه علينا المصلحة الوطنية.

واليوم حزب الله اولويته الاولى انقاذ البلد وانتخاب رئيس للجمهورية واعادة انتظام مؤسسات الدولة لتقوم بدورها في خدمة الناس ومعالجة ازماتهم،  بينما الفريق الاخر اولويته الاولى التحريض والتعطيل والعناد وعرقلة الحلول وجر البلد إلى المواجهة، والإتيان برئيس للجمهورية على قياسهم وليس على قياس الوطن.

حزب الله لم ينجر ولن ينجر الى ما يريده هؤلاء ولا يعير أهمية لاتهاماتهم وأحقادهم، ويعمل بكل أمل على ايجاد المخارج والحلول للازمات انطلاقا من حرصه على وحدة لبنان واستقراره الداخلي وسلمه الاهلي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فقد قاسم الله أمواله ثلاث مرّات ، نصف يدفعه في سبيل الله و نصف يبقيه له ، بل وصل إلى أبعد من ذلك ، فقد أخرج ماله كلّه مرتين في سبيل الله ولا يبقي لنفسه شيء ، فهو كجدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعطي عطاء من لا يخاف الفقر ، وهو سليل الأسرة التي قال فيها الله تعالى : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ، ( الحشر : 9 ) .

وروي أنّه ( عليه السلام ) سمع رجلاً يسأل رَبَّه أن يرزقه عشرة آلاف درهم ، فانصرف الإمام الحسن ( عليه السلام ) إلى منزله ، وبَعَثَ بها إليه .

 

من أدب الإمام الحسن (عليه السلام) في الكرم انه كان يبادر الى العطاء قبل ان يسأله السائل

فقد ورد أنه سئل الإمام الحسن (عليه السلام) ما الكرم؟ فقال (عليه السلام):الابتداء بالعطيّة قبل المسألة.

وعنه (عليه السلام): “أما الكرم فالتبرّع بالمعروف، والإعطاء قبل السؤال”.

ومن سلوكه في الكرم انه لم يكن يردّ سائلا  اذا سأله ولم يقل لسائل قط  لا”.

وقد قيل له (عليه السلام): لأي شيء نراك لا ترد سائلاً وإن كنت على فاقة؟ فقال: (إنّي لله سائل وفيه راغب وأنا أستحيي أن أكون سائلاً وأرد سائلاً، وإنّ الله تعالى عوّدني عادة؛ عوّدني أن يفيض نعمه عليّ، وعوّدته أن أفيض نعمه على الناس، فأخشى أن قطعت العادة أن يمنعني العادة.
وجاءه أعرابي ذات يوم يسأله الحاجة ، فقال ( عليه السلام ) : ( أعطُوه ما في الخَزَانة ) ، فَوُجِد فيها عشرون ألف دينار ، فدفعها ( عليه السلام ) إلى الأعرابي ، فقال الأعرابي : يا مولاي ، ألا تركتني أبوحُ بحاجتي ، وأنشر مِدحَتي .

فأنشأ الإمام ( عليه السلام ) يقول:

نحن أناسٌ نوالنا خضل * * * يرتع فيه الرجاء والأمــــــل

تجود قبل السؤال أنفسنا * * * خوفا على ماء وجه من يَسَلُ

لو علم البحرُ فضلَ نائلنا * * * لغاصَ من بعد فيضه خجَـلُ

 

كان يحافظ على عزّ السائل لا يريق ماء وجهه فقد روي أن رجلاً دفع إليه رقعة في حاجة، فقال له قبل أن ينظر في رقعته حاجتك مقضية، فقيل له: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظرت في رقعته ثم رددت الجواب على قدر ذلك قال: “أخشى أن يسألني الله تعالى عن ذلّ مقامه بين يدي حتى أقرأ رقعته.
وأتاه رَجُل يَطلب حاجَة وهو يَستَحيي مِن الحاضرين أن يفصح عنها ، فقال له الإمام ( عليه السلام ) : ( اكتب حاجتك في رقعة وارفعها إلينا ) ، فكتب الرجل حاجته ورفعها ، فضاعفها له الإمام مرّتين ، وأعطاه في تواضع كبير .
وكان يعطي السائل  ما يكفيه عند المقدرة
فقد روي عن الإمام الحسن (عليه السلام) أنه كان لا يأنس به أحد فيدعه حتى يحتاج إلى غيره.
وكان يعطي الخصوم من اجل ان يستميلهم اليه ويتقي شرهم فقد روي في ( شرح نهج البلاغة ) : أنّ الحسن ( عليه السلام ) أعطى شاعراً ، فقال له رجل من جُلَسَائه : سبحان الله ، أتُعطِي شاعراً يعصي الرحمن ، ويقول البهتان ؟!

فقال ( عليه السلام ) : ( يا عبد الله ، إنَّ خير ما بذلتَ من مالك ما وقيت به عرضك ، وإن من ابتِغاء الخير اتِّقاء الشر ) .

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى