بقلم: لبنى عويضة…
خاص: جريدة الرقيب الالكترونية
في ظل الأزمات المستمرة التي يعصف بها لبنان، يعود ملف فتح مطارات أخرى إلى الواجهة، ليطرح سؤالاً جوهرياً: إلى متى سيظل مطار رفيق الحريري الدولي المنفذ الجوي الوحيد للبلاد، رغم المخاطر الأمنية والتهديدات الاسرائيلية والتحديات اللوجستية المحيطة به؟
مشاهد قطع الطرقات وإشعال الإطارات في محيط المطار مؤخراً أعادت تسليط الضوء على هشاشة الوضع الأمني، رغم جهود القوى الأمنية والجيش لضبط الوضع. هل هذه المشاهد هي سبب او نتيجة حتمية للضغط المُمارس على البيئة الشيعية في لبنان؟ وهل هذه المشاهد تبرز الحاجة الملحة لوجود مطارات بديلة تضمن استقرار الحركة الجوية وتمنح لبنان متنفساً جديداً؟
خلفيات تفجير الوضع الأمني
فرضت التحولات الجيوسياسية نفسها على الواقع اللبناني، حيث بات صراع المحاور عاملاً رئيسيًا في زعزعة استقراره، إذ غالبًا ما تتحوّل الأراضي اللبنانية إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.
وفي مقدمة هذه الصراعات، يبرز التوتر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة، حيث أدّت الضغوط الأميركية–الإسرائيلية المتزايدة على طهران إلى تشديد الخناق على حليفها في لبنان، حزب الله وعلى البيئة الشيعية بشكل عام. لم يقتصر التصعيد على استهداف مخازن الأسلحة وتدمير البنية التحتية للحزب، بل امتد ليشمل مراقبة صارمة لحركة الطائرات القادمة من إيران، وصولًا إلى التهديد المباشر بقصف أي طائرة يُشتبه في نقلها أموالًا أو أسلحة.
هذا الضغط المستمر انعكس بشكل مباشر على تعليق الرحلات الجوية بين إيران ولبنان، بل إن السلطات الإيرانية رفضت السماح بهبوط طائرات شركة “MEA” اللبنانية لإجلاء اللبنانيين العالقين هناك، في خطوة قد تضع لبنان أمام أزمة دبلوماسية جديدة هو في غنى عنها، في وقت يعاني فيه أصلًا من تداعيات أزمات داخلية وخارجية خانقة.
هذا ما دفع المحتجين لقطع طريق المطار، قبل ان يتحول المشهد إلى فوضى.
مطار القليعات: خيار استراتيجي او مشروع مؤجل؟
من بين المطارات القادرة على لعب دور حيوي، يبرز مطار الرئيس رينيه معوض (القليعات) في الشمال. ورغم أهميته الاقتصادية والاستراتيجية، إلا أنه تحوّل مع الزمن إلى ملف سياسي مهمل. يتميز المطار ببنية تحتية جاهزة للتطوير، إذ يضم مدرجًا بطول 3,600 متر يمكنه استيعاب مختلف أنواع الطائرات، ما يجعله مؤهلاً ليكون مطارًا دوليًا فعالًا. كما يحتوي على حظائر للطائرات، برج مراقبة جوية، ومساحات واسعة لإنشاء مبانٍ جديدة للركاب والخدمات اللوجستية. موقعه في منطقة مفتوحة بعيدًا عن الاكتظاظ السكاني يمنحه ميزة إضافية من حيث الأمان وإمكانية التوسع المستقبلي، إضافة إلى قربه من المرفأ والطرق الدولية ما يسهل الربط بين النقل الجوي والبري والبحري.
تشغيل مطار القليعات سيساهم في نقلة نوعية في المشهد اللبناني، إذ سينشط السياحة، يجذب الاستثمارات، ويسهل حركة المسافرين إلى الشمال، الذي لطالما عانى من التهميش. كما سيخلق فرص عمل جديدة ويعزز الاقتصاد، فضلاً عن تخفيف الضغط عن العاصمة التي تعاني من الازدحام والتحديات الأمنية. إضافة إلى ذلك، يشكل وجود مطار إضافي شبكة أمان جوّي تضمن استمرار حركة الطيران في حال تعطل مطار بيروت لأي سبب كان.
بين الحاجة والتجاهل: هل يتحول الحلم إلى واقع؟
في معظم دول العالم، تُعتبر المطارات بوابات أساسية للنمو والتطور. لكن في لبنان، أي مشروع إصلاحي غالبًا ما يُختطف ويُعرقل بسبب الحسابات السياسية والمصالح الشخصية، فهو يأخذ درب الكيديات والنكد السياسي. ورغم أهمية الملف، يُعامل إنشاء مطار جديد أو إعادة تأهيل مطار ثانٍ وكأنه رفاهية، على الرغم من الحاجة الملحة لهذا التغيير.
ومع كل أزمة، يعاد فتح هذا الملف، ليعود السؤال ذاته: هل سنشهد يوماً إقلاعاً شمالياً؟ أم أن المركزية ستظل تهيمن على القرار، ليبقى ملف المطار الثاني حبيس الرفوف مثل العديد من المشاريع الأخرى، خصوصًا تلك التي تخص مناطق الشمال؟
في دولة على حافة الهاوية… الانتظار ليس حلاً!
إن بقاء لبنان رهينة مطار وحيد يعني أن الدولة بأكملها على حافة هاوية، فكل حدث أمني أو عطل تقني قد يُشلّ التواصل مع العالم. إعادة تشغيل مطار القليعات ليست خيارًا بل ضرورة وطنية، تفرضها الجغرافيا، السياسة، والاقتصاد. ولكن ذلك يتطلب إرادة سياسية تتجاوز الحسابات الضيقة، واستراتيجية وطنية تُعيد توزيع التنمية على كافة الأراضي اللبنانية.
إن الدعوة لافتتاح مطار ثانٍ ليست انتقاصًا من دور مطار بيروت الدولي ولا تقليصًا لأهميته، بل هي خطوة استراتيجية تفتح أبواب الاستثمار وتشكل حلاً جوهريًا لأي طارئ قد يواجه المطار الوحيد في البلاد.
لكن تحقيق هذا المشروع لا يقتصر على تشغيل مدرج للطائرات، بل يتطلب رؤية متكاملة تشمل وضع خطة استراتيجية لتطوير المطار والمناطق المحيطة به، عبر تهيئتها كمحور سياحي واستثماري قادر على جذب المشاريع الاقتصادية الكبرى. فافتتاح المطار لن يكون مجرد إضافة لوجستية، بل محركًا للنهوض الاقتصادي في مناطق الشمال التي تعاني من التهميش، ما يساهم في تحقيق التنمية المتوازنة وخلق فرص عمل تعزز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
وإذا كان الانتظار قدر اللبنانيين في العديد من الملفات، فإن الانتظار لبديل جوي بات مقامرة بمصير الوطن بأسره. فهل ستتخذ الدولة القرار قبل أن تجد نفسها أمام أزمة لا حلول لها؟ أم سنستمر في التنفس عبر ممر جوي واحد، مهدد بالإغلاق في كل منعطف، ومهدد أيضًا من قبل العدو في كل استحقاق؟