
ندوة وطنية تكريمية للعميد ريمون إدّه في جبيل: إحياء ذكرى رجل المبادئ والصلابة
نظم “اللقاء الوطني – حركة فكرية إنسانية” في قضاء جبيل، ندوة تكريمية إحياء للذكرى الخامسة والعشرين لغياب العميد ريمون إده، على مسرح البطريرك إلياس الحويك في ثانوية راهبات العائلة المقدسة المارونيات في جبيل، تحدث فيها كل من الوزير السابق عدنان السيد حسين، الرئيس السابق للمجلس الدستوري عصام سليمان، نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي ، المؤرخ الكسندر ابي يونس، عضو “اللقاء الوطني” سايد درغام ، وأدارها طوني ضو وشربل الخوري، في حضور عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب رائد برو ، وديع عقل ممثلا الرئيس العماد ميشال عون، نائب رئيس “التيار الوطني الحر” للعمل الوطني ربيع عواد ممثلا رئيس التيار النائب جبران باسيل، النائب السابق عباس هاشم ، الخوري رومانوس ساسين ممثلا راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون، المدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان جان جبران ، مدير عام المكتبة الوطنية حسّان العكرة، رئيس اللقاء صادق برق . رئيس رابطة مختاري قضاء جبيل ميشال جبران ، الأمينين العامين السابقين للكتلة الوطنية جان الحواط وميشال ابي شبل ، أمين السر السابق روجيه الخوري، الكاتب ناجي علي امهز رئيس جمعية “آنج” الاجتماعية اسكندر جبران، مسؤول اقليم جبل لبنان والشمال في حركة امل الحاج سعيد ناصر الدين، والحج رواد عمرو ممثل حزب الله. وفاعليات سياسية وحزبية ونقابية واعلامية.
استهل سايد درغام كلمته مذكّراً بأن “اللقاء الوطني” كان أول من طرح فكرة تكريم العميد إدّه في معقله جبيل عام 2004، في زمن الوصاية السورية التي كان إدّه من أشد معارضيها منذ 1976. واعتذر درغام عن تأخر التكريم لمدة 21 عاماً، عازياً ذلك إلى تهرّب العديد من الشخصيات السياسية والصحافية من المشاركة، ربما لافتقارهم للقيم التي جسدها الراحل. وصف درغام إدّه بأنه “رجل بقامة وطن”، يختزل الصدق والنزاهة والوطنية. وتطرق لعلاقته الشخصية بالعميد، الذي كان مرشحاً دائماً للرئاسة لكنه رفض المساومات، وانتقد عدم مواجهة انتخاب إميل لحود عام 1998، ورفض اتفاق القاهرة الذي لم يطلع عليه النواب. واستذكر قول إدّه الشهير رداً على سؤال حول اقتصار انتقاده على شخصيات مارونية: “نحن الموارنة أم الصبي وممنوع علينا الغلط”، داعياً جيل الشباب للاقتداء بفكره ونزاهته.
المؤرخ ألكسندر أبي يونس سلط الضوء على دور ريمون إدّه في استمرارية حزب الكتلة الوطنية بعد وفاة والده الرئيس إميل إدّه عام 1949، متحدياً التوقعات بتفتت الحزب. وأوضح أن دخوله المعترك السياسي كان مدفوعاً بالرغبة في مواجهة عهد بشارة الخوري بعد تزوير انتخابات 1947، ورفعه شعار “لا شرعية لولاية ثانية”. رفض إدّه كل الإغراءات والمناصب للاعتراف بشرعية تلك الانتخابات، وساهم في الثورة البيضاء التي أطاحت بالخوري. وبلغ رفضه حداً دفعه لعدم التعاون لاحقاً مع ميشال، نجل بشارة الخوري.
أشار أبي يونس إلى أن إدّه مارس السياسة بصدق وشفافية، واعتبر النيابة خدمة وطنية، فساهم في تشريع قوانين هامة مثل “من أين لك هذا؟”، “سرية المصارف”، و”إعدام القاتل”، وأسس فرقة الـ16، وكان من أوائل الداعين لبناء السدود. ورغم نفيه الاختياري، ظل متواصلاً مع اللبنانيين. هاجم الاحتلال الإسرائيلي والوصاية السورية والميليشيات، وعارض اتفاق القاهرة والاتفاق الثلاثي واتفاق الطائف وانتخاباته. ورغم انتقاده للشهابية، اعترف لاحقاً بأهمية الرئيس فؤاد شهاب. وأكد أبي يونس أن إدّه، بوثيقة عنايا، سعى للحفاظ على العيش المشترك في جبيل، ورفض تسليح أنصاره رغم تعرضه لخمس محاولات اغتيال.
نقيب المحررين جوزف القصيفي استهل كلمته بالحديث عن تهيّبه للموقف، كونه كان كتائبياً ملتزماً في شبابه ومن بيئة على خصومة مع الكتلة الوطنية. لكنه شهد للعميد بالنزاهة والجرأة والعدالة، وحرصه على الدستور والقانون ونبذه للطائفية. وأشار إلى أن إدّه أراد لبنان سيداً مستقلاً ديمقراطياً. وروى القصيفي ذكريات شخصية من عمله الصحافي، حيث كان يزور إدّه يومياً، وكيف كان العميد سريع الانفعال في ردوده النارية على أسئلة اعتبرها “ملغومة”، خاصة تلك المتعلقة بالشيخ بيار الجميّل والكتائب، حتى أن الجميّل طلب منه الكف عن ذلك. كما استذكر القصيفي دعابة العميد وحضوره الطاغي في مناسبات اجتماعية، وقدرته على إطلاق النكات اللاذعة.
وتطرق القصيفي إلى ثلاث نقاط: أولاً، علاقة الصداقة التاريخية بين آل إدّه وآل الجميّل زمن الآباء، والتي لم تنتقل للأبناء بسبب الخلافات السياسية رغم التحالفات الظرفية. ثانياً، الود المفقود بين الرئيس كميل شمعون والأخوين إدّه. ثالثاً، التشابه في الرؤية لبناء دولة عصرية بين اللواء فؤاد شهاب والعميد ريمون إدّه، والذي لم يترجم تعاوناً بسبب قناعة الأخير بانحراف العهد الشهابي نحو “عسكرة مقنعة”. وختم القصيفي بأن إدّه عاش ومات نظيف الكف، مرفوع الجبين، عنيداً بالحق.
الرئيس السابق للمجلس الدستوري عصام سليمان اعتبر الكلام عن إدّه هو كلام عن رجل خالد في ذاكرة الوطن، تميز بسمو أخلاقه وإيمانه بلبنان. وأكد أن إدّه لم يساوم على مبادئه من أجل الرئاسة، وكان رجل دولة في الحكم والمعارضة، فسعى للإصلاح. وكمشرّع، وضع قوانين هامة كالسرية المصرفية والإثراء غير المشروع، التي لم تطبق بشكل فعال لاحقاً بسبب الفساد. وأوضح أن معارضة إدّه للشهابية لم تكن للنهج الإصلاحي بل لتدخل ضباط الشعبة الثانية في السياسة. وأشاد سليمان بقدرة إدّه على استشراف المستقبل، وتحذيره المبكر من مخاطر اتفاق القاهرة والتدخل السوري.
الوزير السابق عدنان السيد حسين وصف العميد إدّه بـ”جمهورية الضمير” أو “ضمير الجمهورية”، مشبهاً إياه بالرئيس سليم الحص. وأبرز وطنيته في رفض الانخراط بالحرب اللبنانية ودخوله المنفى الاختياري بعد محاولات اغتيال، ودعوته لحماية المسلمين في جبيل، ومطالبته المبكرة ببوليس دولي لحماية الحدود. وذكّر بمواقف والده الرئيس إميل إدّه الوطنية، ورفضه التخلي عن القرى السبع، وترشيحه للشيخ محمد الجسر للرئاسة. وأكد أن ريمون إدّه تابع سيرة والده الوطنية، فرفض الوصاية السورية، وكان رجل دولة ومشرعاً بارزاً، وداعماً للجامعة اللبنانية. وختم بأن لبنان اليوم بحاجة لسيرة العميد لاستعادة وحدته وبناء نظام مدني.
عكست الندوة إجماعاً على فرادة شخصية ريمون إدّه، رجل المبادئ الذي قاوم وحده في زمن التواطؤ، تاركاً إرثاً من النزاهة والصلابة والوطنية الخالصة.