
كتب ناجي علي أمّهز: الرؤساء عون، برّي، وسلام يجتمعون على مائدة الخبز والملح… في دارة الرئيس سليمان
في زمنٍ تتآكل فيه الجسور بين اللبنانيين، وتضيق فيه المسافات بين الطوائف، لا لتقاربها بل لتقاطعها، وفي ظل إعلامٍ يسوّق للقطيعة، والخلاف، والاختلاف بين أركان الحكم بهدف إظهار لبنان كبلدٍ منقسمٍ في كل الاتجاهات، دعا الرئيس السابق العماد ميشال سليمان إلى مائدة الخبز والملح المقدّسة في التقاليد اللبنانية — لا لتكون مجرد عزيمة “بروتوكولية ” او مناسبة عامة فقط، بل لاحتضان وطنٍ يتداعى، ولجمع أهل القرار على مائدةٍ تحمل أكثر من طعام: هموم وطنٍ يحتاج أن يتصارح الجميع حوله، لا أن يتصارعوا فيه، مائدةٌ تنبض برمزية الوحدة، والوفاء، والعيش المشترك.
وقد علمت إنّ غياب بعض الشخصيات الرسمية العليا عن هذا الجمع الوطني، هو لأسباب خاصة جدا.
كون اللقاء لم يكن مجرّد مأدبة عشاء، بل بدا أشبه بصلاة مدنية، بحضور الرئيس العماد جوزف عون، رجل اللحظة، الذي أطلّ إلى جانبه اللبنانية الأولى، السيدة نعمت عون، وسط حضور لافت لرموز الدولة، من رؤساء وحكّام ومرجعيات سياسية وروحية، يلتقون وجهًا لوجه في مشهدٍ نادر لا يتكرر في العالم العربي الا في لبنان، كأنّ الوطن يلتقط أنفاسه ليهمس: ما زلتُ هنا.
الرئيس نبيه برّي وزوجته السيدة رندة، الرئيس نواف سلام وعقيلته السيدة سحر بعاصيري، الرئيس أمين الجميّل وقرينته السيدة جويس، الرئيس نجيب ميقاتي، الرئيس فؤاد السنيورة، البطريرك بشارة الراعي، السيّدات منى الهراوي، صولانج الجميّل، ليلى الصلح، وغيرهم من القيادات والرموز الذين اجتمعوا حول مائدةٍ واحدة، لا تشبه طاولات الحوار الباردة، بل تعمّدت بالودّ والإلفة، وكأنّها من زمنٍ آخر، من لبنان الذي كان ينافس قصر الاليزيه وقصر باكنغهام بالقاءات العريقة الراقية حيث يتباحث الجميع باعقد الامور واصعبها بكل رقي وحضارة، ومثل هذه اللقاءات الكبرى من التراث اللبناني الانيق تميز لبنان بين الدول العربية.
في حديثٍ جانبي، وابتسامةٍ خفيفة، ومن خلال ملامح متقاطعة، تظهر إشارات لهَمٍّ مشترك: من اجل لبنان.
تداول المجتمعون التطوّرات، تناقشوا، تذاكروا، وربما تصالحوا مع الفكرة القديمة – الجديدة: أن لا وطن يُبنى دون لقاء، ولا مصير يُصان دون الاعتراف بالآخر.
اهل السياسة الكبار في العالم يدركون اهمية الرسائل والاشارات التي توجهها مثل هذه اللقاءات، لان لقاء الكبار ليس لتناول الطعام كما يعتقد “غالبية العوام”.
وفي كلمة الترحيب بالقيادات اللبنانية والسادة الحضور قال الرئيس ميشال سليمان:
أصحاب الفخامة والسيادة والمعالي،
السيدات والسادة الكرام،
أيها الأصدقاء الأعزاء،
أرحّب بكم في هذا اللقاء الذي أردته أكثر من دعوة إلى مائدة طعام، بل دعوة إلى تلاقي القلوب والعقول حول ما تبقّى من جسور في هذا الوطن، حتى لا تنقطع بنا السبل إلى الغد.
لقد شكّل هذا اللقاء، كما تلمسون، فرصةً للتداول الصريح والعميق في عدد من المواضيع الوطنية الراهنة، وفي المعطيات المتوافرة عن المواقف الإقليمية والدولية من مجمل التطورات التي يشهدها لبنان والمنطقة. وكان التشديد واضحًا على ضرورة زيادة الضغوط والمطالبة بانسحاب إسرائيل من المواقع المحتلة، ووقف خروقاتها واعتداءاتها المتكررة، وذلك استنادًا إلى الاتفاق المعقود برعاية الولايات المتحدة الأميركية، وتحت إشراف اللجنة الخماسية التي تتابع تنفيذ هذه الالتزامات.
وفي هذا المساء الذي يجمعنا عشية عيد الأضحى المبارك، لا يسعني إلا أن أتمنى من القلب، لهذا الجمع الكريم، ولكل اللبنانيين، عيدًا مباركًا بالأمن والخير والسكينة. إنّ العيد في لبنان لا يكون فرحًا حقيقيًا إلا إذا شعر المواطن أنه شريك في الدولة، مصانٌ بحقوقه، مطمئنٌ إلى مستقبله.
وإذ أكرّر ترحيبي بكم، فإنني أغتنم المناسبة لأعبّر عن أملي الكبير، بأن يُوفَّق فخامة الرئيس العماد جوزف عون في مسيرته الوطنية، وأن يتمكن، بالتعاون مع كافة السلطات الدستورية، من تحقيق ما ورد في خطاب القسم، ولا سيما في ما يتعلّق بـحصر السلاح بيد الدولة، لما في ذلك من تثبيتٍ لهيبة الجمهورية، وتحصينٍ للوحدة الوطنية، وضمانٍ للاستقرار الذي ينشده كل لبناني.
أيها الأحبة،
لقاؤنا هذا ليس محطةً عابرة، بل هو دعوةٌ للاستمرار في الحوار، في اللقاء، في بناء الثقة. لبنان لا يُنقذ إلا بأيدي بنيه، ولبنان لا يُبنى إلا عندما نضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.
شكرًا لحضوركم، شكرًا لثقتكم، وكل عام وأنتم ولبنان بألف خير.
عاش لبنان.
