.

لماذا تكبّد الجيش الأوكراني هذه الخسائر الكبيرة ؟

عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية

إنّ مقاربة العمليات العسكرية الدائرة منذ حوالي 10 أيام على محاور “زاباروجيا” و”دونيتسك” تحسم بشكل واضح ان ما يجري هو مقدمات الهجوم الأوكراني المضاد، وأنها هجمات تحضير للميدان هدفها حتى لحظة كتابة هذا النص هي جس نبض الوحدات الروسية ومدى استعدادها، إضافة الى كشف الثغرات في خط الدفاع الروسي المتعدد الأطباق.

منذ العام 2014 بدأت القوات الأوكرانية بالتحول الى العقيدة القتالية الأميركية على المستويات الإستراتيجية والبيئية والتنظيمية، وهي المراحل الثلاث المكوِّنة للعقيدة القتالية، والتي تعتمد على مفهوم الحرب الخاطفة، وهو ما نجحت به القوات الأوكرانية في هجوم “خاركوف” المضاد، حيث حقّقت انجازاً عملياتياً غيّر من شكل خارطة الميدان حينها وأعاد نقل المعركة الى حدود جمهورية “لوغانسك”.

حينها لم يكن الجيش الروسي متوضعاً في وضعية الدفاع الصلب، بل كان في وضعية الإستعداد للإندفاع نحو مدينتي “سلافيانسك” و”كراماتورسك” من اتجاهي “ليمان” و “ايزيوم”، علماً بأن التحضيرات اللوجستية لم تكتمل لإنجاز الهدف، إضافة الى البيئة شديدة التعقيد لمسرح العمليات، والذي كان بمثابة نقطة ضعف وثغرة استطاعت القوات الأوكرانية النفاذ منها، وحققت خرقاً كبيراً مستعينة بمعلومات دقيقة للغاية عن أماكن تموضع الجيش الروسي امّنتها الأقمار الصناعية الغربية.

مستفيداً من خسارة “خاركوف” انتقل الجيش الروسي على كل محاور الجبهة الى الدفاع الصلب والنشط ودفع وحدات محدودة الى الهجوم وتقدّم بشكل بطيء على محاور “سوليدار” و”ارتيوموفسك” وكسر خط الدفاع الصلب للقوات الأوكرانية.

بالنظر الى حجم وشكل العمليات الهجومية الأوكرانية، من الواضح ان رئاسة الأركان الأوكرانية تنفّذ نفس الأنماط التي استخدمتها في هجوم “خاركوف” بدفع قوّة كبيرة بين لواء مشاة ميكانيك الى لوائين على محور واحد في محاولة لإحداث الصدمة وتحقيق اختراق تكتيكي ومن ثم دفع القوات لتحقيق اختراق عملياتي .

هذا النمط لم يحقق أي إنجازات حتى اللحظة سوى بعض التقدم في المنطقة الحرام (الرمادية) والتي حوّلها الجيش الروسي الى بقعة قتل للجنود الأوكران والى مقبرة للدبابات والمدرعات.

وعلى الرغم من التدمير الواسع الذي لحق بالدبابات الغربية، الا اني اعتقد بأن الهجوم الأوكراني المضاد الشامل لم يحصل بعد، وما يحصل هو عمليات استطلاع بالنار على نقاط متعددة على طول خط الجبهة.

كما ان الإعتقاد لدى غالبية الخبراء بأن اتجاه الهجوم الرئيسي سيكون على جبهة “زاباروجيا”، فلا شيء يمنع من ان تكون العمليات على هذه الجبهة مجرد مناورات، وان يتحول الهجوم الرئيسي المضاد الى جبهة “لوغانسك” وهو احتمال قائم لا يمكن استبعاده.

ولأن الهدف من الهجوم الأوكراني المضاد مخطط على مراحل، فإن المرحلة الأولى تتمثل بالوصول الى “فولنافخا” على اتجاه “اوغليدار” بعمق 30 كلم والى “بيلماك” على اتجاه غرب “اوغليدار” بعمق بين 20 الى 30 كلم والى “توكماك” على اتجاه “اوريخوف” بعمق 30 كلم.

اذا لم تحقق القوات الأوكرانية هذه الأهداف فإن الخسارة ستكون كبيرة جداً وغير متناسبة مع الإمكانيات التي تم حشدها سواء على المستوى العسكري او على المستوى المالي.

في كل الأحوال نستعرض خطة الهجوم الأوكراني انطلاقاً من الطموحات الأوكرانية المتمثلة بقطع الطريق البري بين مقاطعة “روستوف” الروسية وشبه جزيرة القرم.

حتى اللحظة لا يمكن الكلام عن مواجهة، فالمعركة التصادمية بين المدرعات الأوكرانية والروسية لم تحصل بعد، إضافة الى ان التماس مع خط الدفاع الروسي لم يحصل ايضاً، وان ما يحصل هو مجرد عمليات انتحارية تدفع فيها الأركان الأوكرانية قواتها الى بقعة القتل.

في التقدير ان القوات الأوكرانية تحتاج لتنفيذ هذه المهام الى 30 لواء مشاة ميكانيك مدعومين بفرقة دبابات وغطاء جوي غير متوفر، وبالتالي يمكن الجزم انه حتى لو أحدثت القوات الأوكرانية أي خرق مستقبلي فسيكون محدوداً ومكلفاً جداً، والسبب هو خط الدفاع الروسي الصلب والمتماسك المكون من:

1ــ مفارز استطلاع وصد خفيفة متحركة على حافّة المنطقة الرمادية تتم تغطية عملياته بغطاء جوي من طائرات الدعم القريب ( سو-25 ) والحوامات القتالية ( كاموف – 52 و مي 28- ومي – 24 ).

2ــ حقول الغام ثابتة وأخرى يتم زرعها بعد اضطرار مفارز الاستطلاع والصد للتراجع بواسطة منظومات صاروخية من بينها صواريخ اوراغان وتورنادو – S وتورنادو G.

3ــ حقول مزروعة بأهرام اسمنتية (أنياب التنين) لإعاقة الدبابات يسبقها ويليها خنادق إعاقة ملاصقة من الأمام والخلف.

4- خنادق إعاقة للدبابات والآليات لا يمكن عبورها الا بجسور.

5ــ خنادق الدفاع الأول والثاني وهي خنادق لولبية تحتوي ملاجيء للأفراد وغرف قيادة وسيطرة ومراقبة مدعومة بدبابات ومنصات مضاد للدروع بشكل كافٍ.

6ــ  مجموعات الإسناد الناري القريب (هاونات وهاوتزرات خفيفة) والبعيد (مدفعية محمولة وراجمات صاروخية بعيدة المدى).

استناداً الى ما نفّذه الجيش الروسي من انشاءات هندسية وقدرات نارية، يبدو صعباً على القوات الأوكرانية ان تعبر خط الدفاع الروسي، وان عبرت فسيكون العبور مسافات محدودة وبكلفة عالية جدا،ً ناهيك ان القيادة الروسية في حال قدّرت الموقف ببعد سلبي، فيمكنها ان تزج في المعركة أسلحة لم تُستخدم بعد، وخصوصاً القنابل الثقيلة وغارات الطيران الإستراتيجي على الإحتياطيات الإستراتيجية الأوكرانية عندما تبدأ بالحركة لدعم قوات الصدم على كافة المحاور.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى