اقلام

من كلمة الشيخ توفيق حسن علوية في تأبين الشهيدين احمد حسن علوية ومهدي نمر علوية


من كلمة الشيخ توفيق حسن علوية في تأبين الشهيدين احمد حسن علوية ومهدي نمر علوية

بسم الله الرحمن الرحيم
الجمدلله رب العالمين وصل اللهم على محمد واله المطهرين
يقول الله المتعال : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (٢٣)لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } .
تحدث الله المتعال عن المجاهدين والشهداء بوصفهم من الصادقين ، فالصدق الذي هو من اعلى القيم الوجودية سمة المجاهدين والشهداء الدائمة التي ترافقهم الى اخر حياتهم ، والمراد بالصدق هنا الاعم من صدق اللسان فيشمل انسجام الشخصية مع التزاماته النفسية وشعاراتها ومبادئها ، فهم من اهل الصدق مع انفسهم ومع الناس ومع الله المتعال ، وبخلاف الصدق الكذب ، الكذب الذي نشأت على اساسه اديان مزيفة وكيانات مصطنعة نظير الكيان الصهيوني ، ومن خلال الكذب تتم عملية التخريب للعلاقات الاجتماعية والاسرية ، واهل الجهاد والشهادة هم اهل الصدق الذين هم مع الصادقين اي محمد وال محمد عليهم صلوات ربي وسلامه .
وانما وصف الله المتعال اهل الجهاد والشهادة بالصدق المستدام لانهم مع الحقيقة بوجه الوهم والتزوير والزيف ، ومن هنا كانوا مع العدل ضد الظلم ، ومع الحق ضد الباطل ، ومع المظلوم ضد الظالم ، ويحدثنا الله المتعال عن ان اول مؤسسة للظلم العالمي تأسست على يد احد ابني ادم ضد اخيه الذي قام بقتله ، الا ان اعظم مظلومية في الوجود هي مظلومية
السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ومظلومية الامام الحسين عليه السلام تتفرع عن هذه المظلومية ، ومع تاسبس المظلومية العالمية بحق السبدة الزهراء عليها السلام فلا عبرة بالكم وبالكيف اي بالعدد الاكثر للجرائم وبسعة فظاعة وبشاعة الجرائم ، لان كل هذا انما يتفرع عن اصل تأسيس الجريمة بحق الزهراء عليها السلام .
ولردع الجرائم وايقاف مدها وجزرها وضع الله المتعال قانون الدفع ، فقد قال الله المتعال : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } . لاحظوا فببركة الدفاع والجهاد يتم الحفاظ على بناء الحياة والا فيتم الدمار كما لا يستراب ، وقال تعالى عقيب الحديث عن صراع طالوت ضد جالوت وقتل داود عليه السلام لجالوت : { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ } . فالفساد اعم من القتل فيشمل السرقة والفتنة وقطع الطرفات والربا والاحتكار والظلم والانتحار وما اشبه .
فببركة قانون الدفع وقانون الجهاد في سبيل الله يتم حفظ الحياة ، وحفظ النفوس والاولاد والاموال والاعراض والاوطان وما اشبه .
وهذا يعني ان كل من بقي حيا بعد الحرب فللشهداء فضل عليه ، كل ما بقي من بناء وكل قرية وكل مدينة وكل سوق وكل نفس انما يعود الفضل في عدم دمار كل شيء وقتل كل ذي روح الى الشهداء .
وقد ورد في الاخبار الشريفة عن اهل البيت عليهم السلام ان كل مؤمن شهيد وان مات على فراشه ، وعلى ما ببالي ان الامام الصادق عليه السلام عندما اخبرنا بأن كل مؤمن شهيد تلا قوله تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } .
وبما ان كل مؤمن شهيد فالقضية قضية مراتب ، وهؤلاء الشهداء في اعلى المراتب ، إذ ان المسلم المؤمن الولائي مشكلته مع الطريق الدنيوي والبرزخي اما وجوديا فلا يعاني من اي مشكلة .
وكما هو معلوم فإن المجاهد عندما ينطلق نحو الجهاد انما ينطلق لاجل اداء التكليف الالهي مهما نتج عنه من نتائج ، ووظيفته الانتصار الا انه يرغب في لقاء ربه عند خاتمة حياته بالشهادة ، اقول عند ختام حياته وليس مطلقا ، فاذا دار الامر بين الموت الاخترامي والقتل فيطلب القتل . لماذا ؟ لانه مع القتل في
سبيل الله المتعال ضمانة الفوز ، وهذا لا يتأتى بغير القتل فيما لو نتج عن الجهاد في سبيل الله تلك النتائج الاخرى نظير الانتصار او الاسر او الجرح او النفي ، ومن هنا اعتبر امير المؤمنين الامام علي عليه السلام الشهادة من مواطن البشرى حينما اخبره الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم ، ولعله لم يستخدم عبارة الفوز في كل انتصاراته وانما استخدم عبارة الفوز في حديث الكساء بقوله : فزنا وفاز شيعتنا ، وعند استشهاده بقوله : فزت ورب الكعبة .
لا ريب بأن كل شيء ينسب الى صاحبه ، فيقال فلان الفلاني صاحب براءة الاختراع الفلاني ، الا الشهادة فإنها تنسب الى الامة ، فيقال امة الشهداء .
ان الشهداء حصدوا كل الجوائز الالهية والمنن الربانية والمنح الرحيمية والهبات الرحمانية عبر اقصر الطرق بعد النجاح والفلاح باصعب المحطات .
ومن المفيد اخذ العلم بان الشهادة اختصار للحياة بعمل عظيم ، فهناك من يمكث قرنا ليقوم بعمل يشاد فيه بين الناس بينما تختصر الشهادة بعمل اعظم من كل الاعمال التي ينجزها غير الشهداء .
فهؤلاء الشهداء صنعوا بالدماء الزاكية المسفوحة على محرب عشق الله المتعال وعشق محمد وال محمد ذاك الحصن التحرري الذي اعطى لكل فرد منا الحرية من آسار الذل وفيود الهوان .
ان الشهداء انما ١ماتوا في سبيل الله المتعال عبر قتل الشهادة لانهم عاشوا في سبيل الله في فترة وجودهم الدنيوي ، وكل من يعيش في سبيل الله سيموت في سبيل الله قتلا او بسبب اخر ، وفي بعض الاحايين العيش في سبيل الله المتعال يكون اصعب من القتل في سبيل الله .
ان من فضل الشهداء علبنا ان امتنا اخذت عناوين انجازاتهم ، فليس الكل اهل جهاد الا ان الامة ببركة جهادهم صارت امة جهادية ، وليس الكل اهل ايثار وتضحيات ولكن الامة ببركة الشهداء صارت امة ايثارية مضحية ، وهكذا لالنسبة لعناوين العزة والشجاعة والاباء والاقدام والنصر .
ويكفي الشهداء غخرا ان الشهادة اضحت معيارا لكل ثواب واجر الهي جزاء الاعمال ، فيقال : من فعل كذا كان له اجر شهيدواو انه مع الشهداء ، وغيرها من الالفاظ الوتردة في الاخبار الشريفة في ثواب الاعمال .
ان ارتفاع الشهداء من بيننا يعني ان هناك شجاعة في ظرف الجبن ، ومجاهدا في ظرف القعود ، وامينا في ظرف الخيانة ، وحاضرا في ظرف الغياب ، وعزيزا في ظرف الذل ، ومضحيا في ظرف الحرص .
ولا ننسى ان وجود بيئة حاضنة للشهادة والشهدداء بعني وجود عملية انتاج للشهداء تقوم بها هذه البيئة المنتسبة للفكر الولائي الكربلائي الحسيني، وهذا يعني ايضا ان عملية الانتاج للشهداء من قبل هذه البيئة مستمرة كلما استدعت ساحة الاحتراب لتلك الحاجة للدماء الحمراء .
ويكفي عوائل الشهداء عزا وفخرا وسؤددا تلك الروايات الشريفة التي تحدثت عن ان الاباء والامهات الذين يفدمون الاولاد وفلذات الاكباد احتسابا لا يدخلون النار ، وان اولادهم الشهداء يأبون دخول الجنة الا برفقتهم .
ان الشهداء صاغوا بدمائهم الزاكية أطمار العزة للشعوب ولولاهم لمكثت في عراء الذل التام ابدا .
انت عندما يغيب احد عنك تبحث عمن يطمئنك عنك ، هكذا حال الموتى فإنك لا تعرف ما هو حالهم ، بينما مع الشهداء فإن الله المتعال اعطاك رسالة اطمئنان دائمة عنهم بقوله تعالى : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون }
لقد قدمت بيئتنا في الحرب الاخيرة ضد الصهاينة التضحيات الجسام في سبيل حفظ الوطن وإعزاز الامة وإسناد فلسطين . فقدمت الشهداء والجرحى والاسرى والاموال والعقارات وكان قولها قولا واحدا : كل شيء فداء للوطن وفلسطين والعزة والكرامة تحت شعار : هيهات منا الذلة .
فضاحيتنا الابية ومدننا وقرانا في الجنوب والبقاع وبعض اجزاء الوطن قدموا الشهداء ، وقدمت بلدتنا مارون الراس الشهداء من مختلف العائلات ، وقدمت عائلتنا الكبيرة عائلة ال علوية الشهداء ، واما عائلتنا الصغيرة فقد قدمت الشهيد احمد حسن علوية وااشهيد مهدي نمر علوية حيث الان نحن في حفل تأبينهما .
كان الشهيد احمد حسن علوية اعلى الله درجاته متصفا بعدة مميزات منها انه كان كثير الذكر ، ومنها انه كان وصولا وليس في قاموسه قطع صلة الرحم ، ومنها انه كان خلوقا مستوعبا لكل من حوله بالرأفة والرحمة والمحبة ، وكان عليه الرضوان مجبولا ومشحونا بالقران المجيد عشقا وأنسا وتلاوة وحفظا وتدبرا وفيصلا واستحضارا كشاهد لأي مسألة حياتية ، وكان اعلى الله درجاته مسجديا بامتياز ، يواظب على الصلاة جماعة في المسجد ، وقد اوصى بمرور جثمانه الشريف قرب المسجد الذي كان يصلي فيه . وكان يعلمنا ان نكون اقوياء في ديننا وفي وجه الاعداء ويردد علينا { واعدوا لهم ما استطعتم من قوة } وبكرر لنا فقرة الدعاء ( فقوني بقوة كافية ) ، لقد كان اعلى الله درجاته يعيش محورية اداء التكليف الالهي ويتحدث عن لزوم الانتصار على العدو ، وفي نفس الوقت كان طالبا بأن تكون الشهادة هي خاتمة حياته ، وكان اعلى الله درجاته يباشر في تلاوة ختمية قرانية لكل فقيد من انسابه او اسبابه او احبابه او جيرانه او معارفه او من يسمع برحيله

اما الشهيد مهدي نمر علوية فقد كان يعيش في عالمنا الدنيوي بنبضات قلب اخروي ، فقد كان مخلوقا اخرويا واتما اتى الى الدنيا من باب اداء التكليف ولإلقاء التحية علينا حيث ترك الاثار الجميلة ومضى الى الاخرة شهيدا سعيدا .
لقد كان رضوان الله عليه عاملا بصمت ، وافعاله هي الدالة على شخصيته الفاضلة لا اقواله .
رحمهما الله المتعال ورحم الله الشهداء ورفع درجاتهم ورحم الله سائر الموتى من الموالين لمحمد وال محمد ، والحمد لله رب العالمين ، وصل اللهم على محمد وال محمد واله المطهرين .

زر الذهاب إلى الأعلى